مظاهر التوازن النفسي في شخصية الرسول الكريم للاقتداء به، كان الرسول الكريم صل الله عليه وسلم من أعظم الشخصيات التي مرت في تاريخ البشرية، مثال يحتذى به في الوسطية في كل الأمور، فقد امرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بالاقتداء به، في قوله تعالى: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا”؛في هذه المقالة نوضح ما هي مظاهر التوازن النفسي في شخصية الرسول الكريم للاقتداء به.
مظاهر الاعتدال و التوازن في شخصية الرسول
كان النبي صل الله عليه وسلم متوازناً في كل الأمور، فقد كان محباً لله تعالى، ورعاً، مقبلاص على العبادة والتعبد في غار حراء، لكنه لم ينسى أهل بيته، والعناية بزوجاته وأمور بيته، وكان محباً للغنفاق في سبيل الله عز وجل، ولكنه لم يحرم أهل بيته من المال، وكان محباً لأن ينال الشهادة في سبيل الله تبارك في علاه، إلا انه كان يأخذ الحيطة والحذر، ويعد الخطط لكل المعارك، وكان يلبس الدرع.
وقد كان صل الله عليه وسلم يربي صحابته الكرام رضوان الله عليهم، على منهج الوسطية في كل الأمور، وكان يعزز ذلك في نفوسهم وقلوبهم، فقد صل الله عليه وسلم يحث الصحابة على الانتباه لكل أمور الحياة، وعد الميل ناحية جانب ونسيان الآخر، فلا يفرط في الاهتمام بجانب، ولا يقصر في الآخر، بل يولي كل منهم اهتمامه بشكل مناسب، فقد كانت هذه هي التربية السليمة في مدرسة الرسول صل الله عليه وسلم لصحابته وللمسلمين أجمعين في المنهج الوسطية والتوازن والاعتدال في كل الأمور، فلا إفراط يولد الملل، ولا تفريط يصيب المسلم بالغفلة والإهمال، فديننا الإسلامي الحنيف هو دين الوسطية.
شاهد أيضاً: ما مدى صحة حديث الرسول عن عمر بن الخطاب والشيطان
مظاهر التوازن النفسي في شخصية الرسول الكريم للاقتداء به
لقد كان الرسول صل الله عليه وسلم من أكثر الشخصيات في تاريخ البشرية مثال في التوازن النفسي، فلم يكن صل الله عليه وسلم شخصاً عابساً كثير البكاء والحزن، بل أنه كان شخصاً محبوباً، كان صل الله عليه وسلم يبكي إذا قام الليل، وإذا سمع القرآن الكريم، كان يبكي شفقة بأمته، ومن امثلة ذلك:
- بكى صل الله عليه وسلم خشية من الله عندما قرأ الصحابي “عبد الله بن مسعود” عليه آيات القرآن: “فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا”.
- كما بكى الرسول صل الله عليه وسلم شفقة على أمته عندما سمع قوله تعالى: “ربِّ ألم تَعِدْني ألَّا تُعذِّبَهم وأنا فيهم، ألم تَعِدْني ألَّا تُعذِّبَهم ونحنُ نستغفِرُك: عندما كان يصلي صلاة الكسوف.
- بكى صلوات ربي وسلامه عليه عندما توفي ابنه إبراهيم، وقال وقتها صل الله عليه وسلم: “إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ”.
كما لم يكن الرسول صل الله عليه وسلم كثير الهزل والضحك، ولم يكن كثير الجد، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه يمازح الصحابة وزوجاته رضوان الله عليهم جميعاً، حيث ثبت عنه برواية أنس بن مالك رضي الله عنه:
- قال: (أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، احمِلْني، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ. قال: وما أصنع بولدِ الناقةِ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: وهل تلدُ الإبلُ إلا النوقَ).
شاهد أيضاً: مبشرات رؤية الرسول في المنام وابرز الدلالات لرؤية الرسول في الحلم
شخصية الرسول الاجتماعية والتوازن السلوكي
لقد كان الرسول صل الله عليه وسلم نبياً كريماً، ذو شخصية متزنة سلوكياً، ومحبوب اجتماعياً، وهذا ما جعله قدوة حسنة يقتدى بها، وهو المثال الأعلى لكل الناس، فقد عرف بصدقه وأمانته بين العربي قبل البعثة، واحبه كبارهم وصغارهم، وأقبل الناس بعد الإسلام على اتباع نهجه من طبقات مختلفة، ومستويات متباينة، وهذا الأمر هو المؤشر القوي على أن نبوته صادقة، ولا شك فيها، ومن مظاهر اتزان الرسول صل الله عليه وسلم السلوكي:
التوازن بين القول والفعل
- لقد كان الرسول صل الله عليه وسلم من أكثر الشخصيات المتوازنة ما بين القول والفعل، فلم يكن صل الله عليه وسلم يأمر الناس بالمعروف، إلا كان أول من يطبق ويفعل هذا الأمر، وقد كان صل الله عليه وسلم يأمر الناس ويدعوهم لقيام الليل وكان أول الفاعلين، والدليل:
- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ).
- كذلك الجهاد في سبيل الله -تعالى- والشجاعة، لِما ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ، وأَجْوَدَ النَّاسِ، وأَشْجَعَ النَّاسِ، ولقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ سَبَقَ النَّاسَ إلى الصَّوْتِ، وهو يقولُ: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا).
- ولم ينهى الناس عن خلق او ينهاه عن منكر ويأتي بمثله.
- فهو صل الله عليه وسلم شخصية واقعية متوازنة في قولها مع فعلها، لهذا كان له تأثير قوي في النفوس، فقليلاً ما نجد من يقول ويفعل من قادة اليوم.
التوازن في الجد والهزل
- كان صل الله عليه وسلم صادقاً في جده ومداعبته، والدليل:
- عن عمرو بن العاص أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه على أشرِّ القومِ، يتألَّفُهُمْ بذلك، فكان يُقْبِلُ بوجهِه وحديثِه عليَّ، حتى ظننتُ أني خيرُ القومِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِن أنا خيرٌ أو أبو بكرٍ؟ قال: أبو بكرٍ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عمرُ؟ فقال: عمرُ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنا خيرٌ أو عثمانُ؟ قال: عثمانُ. فلما سألتُ رسولَ اللهِ فصدَقَنِي، فلوددتُ أني لم أكن سألتُه).
التوازن بين اللين والحزم
الدليل في اللين
- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: “ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ“.
الدليل في الحزم
- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: “وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.
- قد جاءت فاطمة -رضي الله عنه- تشكو إليه خطبة زوجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من بنت أبي جهل، فقالت: “يَزْعُمُ قَوْمُكَ أنَّكَ لا تَغْضَبُ لِبَناتِكَ، وهذا عَلِيٌّ ناكِحٌ بنْتَ أبِي جَهْلٍ، فَقامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يقولُ: أمَّا بَعْدُ أنْكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبِيعِ، فَحدَّثَني وصَدَقَنِي، وإنَّ فاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسُوءَها، واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ واحِدٍ، فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ”.
شاهد أيضاً: أسئلة عن الرسول واجابتها في السيرة النبوية
لقد كان لنا في رسول الله صل الله عليه وسلم قدوة حسنة وأسوة طيبة، فهو أعظم البشر وأعلاهم قدراً؛ تحدثنا في هذه المقالة وكان شرفاً لنا عن مظاهر التوازن النفسي في شخصية الرسول الكريم للاقتداء به.