كيف نستغل العشر الاواخر من رمضان، شهر رمضان هو ذاك الشهر الفضيل الذي ننتظره من العام إلى العام لننهل من خيره، شهر جعله الله -تعالى- ملاذًا للقلوب المتعبة؛ لتلجأ إلى ربّها بالدعاء والاستغفار والعمل الصالح، ولتجدد النيّة مع الله في شهر الخير، حيث يستغل الانسان المسلم العشر الاواخر من رمضان في الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن الكريم.
كيف نستغل العشر الاواخر من رمضان
لقد أنعم الله تبارك وتعالي على المسلمين بفرصة سانحة عظيمة وهبت للإنسان ليكفر عن ذنوبه وخطاياه وآثامه، وليلملم شتات أمره فيما مضى من أيام عمره الخالية، وهي نعمة شهر رمضان المبارك، وهو من شهر من أعظم الشهور عند الله تبارك وتعالى وعند المسلمين شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النيران، يسارع المسلمون إلى أداء العبادات والطاعات تقربا من الله عز وجل وبخاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حيث تزداد فيها البركة والخير، ويضاعف الله تبارك وتعالى فيها الأجر والثواب، ويعتق الله عز وجل كل ليلة في العشر الأواخر من رمضان عباده من النار، وخير ما سنقدمه لكم في هذا المقال، كيف نستغل العشر الأواخر من رمضان فيما يلي :
التنظف والغسل والتطيب
لأن الإنسان حينما يقابل الله عز وجل ويناجيه في الصلوات والخلوات وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ينبغي له أن يكون حسن اللباس وأن يكون على نظافة، ورائحة عطرة طيبة، لأنه في موعد مع خالق السماوات والأرض، وذلك لقول ابن رجب رحمة الله عليه : “يُستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف، والتطيب، والتزين بالغسل والطيب، واللباس الحسن”، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يغتسل كل ليلة في العشر الأواخر من رمضان، ويقول ابن جرير : “كانوا يستحمون كل ليلة في العشر الأواخر.
الإكثار من صلاة التراويح وقيام الليل
روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت :” كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ”، وإحياء الليل في العشر الأواخر من رمضان بأداء صلاة التراويح، وبخاصة أن يصليها المسلم مع الإمام لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم : “مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ”، وإحياء الليل بصلاة التهجد وقيام الليل، فقيام الليل له أجر عظيم، وهو من أعظم الأعمال وأجلها عند الله تبارك وتعالى، ففيها تفريج للهموم، وتنكشف بها الكربات، وينال بها المسلم رضا الله عز وجل، وهي أحرى أن تستجاب الدعوات وذلك لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم :” إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ”، ويرفع درجات في الجنة، ويستحب للمسلم التزود والإكثار من صلاة التراويح، وقيام الليل، وصلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان وذلك لقول النبي محمد صلى الله عليه : “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، ولبلوغ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وذلك تصديقا لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم : “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنب”.
الاعتكاف
ويُستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وذلك لقول أبي هريرة رضي الله عنه : “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا”، وهو من أفضل الأعمال وأجلها عند الله تبارك وتعالى، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه ينقطع عن الدنيا، ويكون الاعتكاف بأداء الصلوات، وتلاوة القرآن الكريم وتدارسه، والتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء بقلب منيب مخلص، وأن يصدق العبد في توبته وإنابته إلى الله تبارك وتعالى، أن ينشغل في اعتكافه بذكر الله عز وجل، والتهليل والتكبير والحمد، وألا يكثر في الاعتكاف من الكلام واللغو والحديث، وألا يقطع اعتكافه ولو كان ليشيع جنازة، أو عيادة مريض، ولا حتى الطواف في بيت الله الحرام، وكذلك يكره للمعتكف أن ينشغل بغير ذكر الله تبارك وتعالى، ويكره له اللغو، والمزاح، والسباب والفواحش، وبكره له أيضا مطالعة الكتب والصحف ونشرات الأخبار، ولا يجوز له الجماع لما أنزل في منزل التحكيم قول الله تبارك وتعالى : {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} سورة البقرة.
إيقاظ الأهل ومشاركتهم في الثواب والأجر
ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على إيقاظ زوجاته، وعلى إيقاظ أهله، في العشر الأواخر من رمضان لإحيائها بالذكر والصلاة، ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوقظ ابنته فاطمة الزهراء وزوجها، وفقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ” كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ”، لما في ذلك من حصول الأجر العظيم، وحلول البركة والخير، ونيل رضا الله تبارك وتعالى، وحصد الأجر والثواب العظيم في هذا الشهر الفضيل، لأن في العشر الأواخر من رمضان تتضاعف الحسنات والثواب، وتزداد البركات والخيرات في هذه الأيام المباركات.
الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ومدارسته
شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن الكريم حيث يقول الله تبارك وتعالى في منزل التحكيم : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، فقد شرفه الله تبارك وتعالى وخصه بليلة القدر وهي ليلة عظيمة الأجر، شريفة الشأن والمقام، خصها وشرفها المولى تبارك وتعالى بنزول القرآن الكريم هدى للمتقين، وفيه الخير والهدى والصلاح والنور للناس أجمعين، فكان جبريل عليه السلام ينزل في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك يتدارس فيه القرآن مع جبريل عليه السلام، ولكن في عام وفاته فقد دارسه جبريل عليه السلام القرآن مرتين، فقد روي عن ابن عباس رضي الله قال : ” كان جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ”، ولما في تلاوة القرآن الكريم من أجر عظيم : “مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”، ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ممتدحا قارئ القرآن، وكم له من أجر عظيم : “قال رسول الله صلي اله عليه وسلم : ” يقال لقارئ القرآن : اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها”، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا : “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ”.
إخراج الصدقات
في شهر رمضان المبارك يفيض المسلمون بأديهم البيضاء بالجود والكرم والإحسان والعطاء، وإن من أفضل الأعمال في العشر الأواخر من رمضان هي الصدقات، فهو شهر تتضاعف فيه الأجور والحسنات، وإن الله تبارك وتعالى يربي الصدقات، فالحسنة بعشر أمثالها فكيف ستكون في شهر رمضان المبارك، فقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة”، والصدقة تطفئ غضب الله تبارك وتعالى، وهي من أقوى الأسباب في شفاء المرضى، وفي إزالة الهموم والاحزان، وكشف الغموم والكربات، وتتنوع الصدقات فلا تنحصر في المال فقط، بل بكسوة المسلمين، وإفطار الصائمين، وغيرها الكثير، فقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : “نَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ”.
الإكثار من دعاء الله تبارك وتعالى
إن من أفضل الأعمال في العشر الأواخر من رمضان، بل في كل الأوقات الدعاء فهو مخ العبادة وجوهرها، وهو من أعظم العبادات إلى الله تبارك وتعالى، وتعتبر العشر الاواخر هي الفرصة العظيمة السانحة، فاغتنم هذه الأوقات الثمينة القليلة فما هي إلا أياما معدودات، فاطرح نفسك على باب الكريم بين يديه، واطرق باب الحنان المنان، فأمامك ليلة القدر المباركة العظيمة، تلك الليلة التي تكتب فيها المقادير لعام قادم كامل، واتل دعواتك بيقين راسخ، وبإيمان ثابت، وألح عليه جل في علا بالدعاء، فالله تبارك وتعالى يحب العبد اللحوح، فكل النداءات تجاب بالخيبة إلا نداء الواحد القهار، فإنها تنزل على أرض قاحلة مقرفة جراء فتهتز وتربو بالخيرات والعطاء والكرم والجود، واسأل صاحب الجلال والإكرام أن يجعلك من أهل الفردوس، ومن العتقاء من النار في شهره الفضيل، وأكثر من التوبة والإنابة إليه، ومن الاستغفار لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةٌ القدر ، ما أقول فيها ؟ وفي لفظ : ما أدعو ؟ قال : “قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”، وحين يضيق لسانك عن الدعاء، ادع هذا الدعاء : “اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد، وما قضيت لي قضاء فاجعل عاقبته رشدا”، فهذا الدعاء يجمع لك خير، وأفضل الخير الجنة.
إفطار الصائمين يوميا
من أفضل الأعمال وأجودها في العشر الأواخر من رمضان المبارك هو إفطار الصائمين، فاحرص على إفطار الصائمين يوميا، لما في ذلك من الثواب والأجر العظيم، وذلك تصديقا لقول المصطفى العدنان محمد صلى الله عليه وسلم : “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”، صحيح الجامع.
لشهر رمضان المبارك خصوصية تختلف عن كل الشهور، فهو موسم العطاء والجود والإحسان والخيرات والبركات، وهو الشهر الذي تصفو فيه النفوس، وتتسامى وتتعالى عن كل ما يكدر صفوها، ويعكر راحتها، هو شهر انعتاق النفس من الشهوات والملذات، التي تثقل كاهل الإنسان بالذنوب والخطايا، والآثام، هو ميدان الإحسان الأرحب من الطاعات والعبادات، ومن الارتقاء إلى أعلى مراتب الإحسان والإيمان، وتختص العشر الأواخر من رمضان بقدسية، ونفحات إيمانية فردية، ففيها تضاعف الحسنات والبركات، ويعتق الله فيها كل ليلة عباده من النار، ولقد قدمنا لكم نموذجا مثاليا وإيمانيا رائعا لكيف نستغل العشر الاواخر من رمضان.