شرح قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور، الشاعر المخضرم بشار بن برد الذي عاش في نهاية عصر الدولة الأمويين، وأدرك البداية لعصر العباسيين. يكنى بأبي معاذ، أحد الشعراء المولدين، ويسمى الإمام لهم، ولد أعمى البصر، لكنه منار البصيرة. كان بليغاً في الشعر، ولم يكن أطبع منه، ولم ينافسه أحد في صواب بديعته، غزير الشعر، ولم يكن متكلفاً به، بل كان يتفنن بأبياته، فلديه قريحة سمحة. فحل في الشعر العربي؛ نضع بين أيديكم في سطورنا التالية شرح قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور.
شرح قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور
كتب الشاعر بن برد هذه القصيدة، وتناول فيها مواضيعاً جميل جداً، تتعلق بروح الإسلام، والمعاملات الاجتماعية فيه.
” اذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه” مطلع تلك القصيدة رائع، يدعو للتسامح والتعالي على زلات بعضنا البعض ليبقى الود بيننا، فكلنا بشر نخطئ ونصيب دوماً.
شرح قصيدة بشار بن برد في الصداقة
هي قصيدة رائعة، أعطت النصائح للحفاظ على الصديق، وكيف يكون المرء صديقاً بحق، وأن تجاوز الأخطاء من أهم الأمور للحفاظ على ود الصديق. وهنا شرح للأبيات الأولى من (1 – 3):
اذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك، فإنه مقارف ذنبٍ مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
يبدأ الشاعر قصيدته إذا كنت في كل الأمور، مبيناً أن الشخص الذي يريد أن يعاتب الصديق فقط بالكلام، فلن يجد ذلك الذي يعاتبه. وحينها يكون عليه الاختيار ما بين العيش في وحدة، أو أن يقوم بالوصل لأخيه ( الصديق) حيث شبه الصديق بأخ له. وبين أن الإنسان يكون في مرة مذنب، ومرة أخرى يتجنب هذا الذنب ويتوب عنه، ويبتعد، كما ذكر أن الإنسان إن لم يشرب على مر العيش أكثر من مرة سيظمئ، مشيراً إلى ضرورة التحمل والصبر على القذى والأذى. وإلا سيظمأ فالناس لا تصفو لهم المشارب، ولا تأتي الرياح دائماً كما تشتهيها البحارة للإبحار حيث يشاء، بل الصبر على مر العيش والجفا والأذى هو من يمضي بنا نحو الحياة.
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت شرح
ثم ينتقل هذا الشاعر البليغ من وصف العلاقة مع الصديق والأخ، إلى الحديث عن علاقة دولته بالدول الأخرى، والحديث عن الملوك التي تصعر خدها، وتهين نفسها. شرح البيت الرابع:
إذا الملك الجبار صعر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
حيث أن الملك الذي تطاول عليهم قد صعر خده حين فعل ذلك، فهو بذلك استحق العقاب، وأن يمشوا إليه أي بجيش رافعين سيوفهم للعتاب فقط، وليس للمعركة حتى يرتجع عن أمره. ولن يكون العتاب بالكلام فالكلام للأصدقاء، والأحباء، بل أن عتاب من تطاول عليهم ليس له إلا السيف.
شرح قصيدة بشار بن برد في وصف جيش
أما في شرح البيتين الخامس والسادس من قصيدة إذا كنت في كل الأمور معاتباً، يتجه الشاعر الآن إلى وصف جيشهم. ويتحدث بشموخ عن هذا الجيش المغوار الذي أدب كل من أساء لهم، في شرح الأبيات (5 – 6):
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى وبالشوك، والخطي حمر ثعالبه
غدونا له والشمس في خدر أمها تطالعنا والطل لم يجر ذائبه
وبين أن جيشهم يزحف للعدو، كجنح ليل، ويحمل معه الكثير من الأسلحة، منها المنجنيق الثقيل، ومنها ما يرمي العدو بالشوك والحصى. وهذا دليل على استعداد الجيش بالكامل للمعركة، وبين أنهم تحركوا للعدو من باكر، فالشمس بعد في حضن أمها أي لم تبزغ الشمس بعد، صلوا الفجر وانطلقوا نحو العدو ليباغتوه. حتى أن قطرات الندى في الصباح الباكر لم تتجمع بعد فوق الوريقات من الأشجار والنباتات.
شرح قصيدة بشار بن برد يصف جيشا
ويواصل الشاعر بكل سلاسة شرح ووصف كيف بدأ الجيش المغوار يندمج في المعركة مؤدباً ذلك الملك وجيشه لتطاولهم. شرح الأبيات (7 – 8):
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه وتدرك من نجى الفرار مثالبه
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
حيث بين الشاعر في هذين البيتين، أن الجيشين قد بدآ المعركة بالفعل والتحما معاً، وبدأ الطعن بالسيوف، والضرب بالأسلحة ليذيقوا العدو الموت بطعناتهم. بينما من يفر من المعركة له الذل، ويذوق الهزيمة وعارها، ويبين الشاعر كيف أن غبار حركة الجنود في المعركة قد عبأ المكان، من شدة تقارع السيوف، وحركة المتقاتلين، وهذه إشارة إلى بأس جيشهم، وشدته على العدو وعدم هيبتهم من المعركة.
تحليل قصيدة بشار بن برد يصف قومه
حيث تأخذ الشاعر الحمية في قصيدته إذا كنت في كل الأمور معاتباً، لينتقل لوصف قومه، ويفخر بهم وبشجاعتهم وإقدامهم المسمتر. شرح البيتين ( 9- 10):
بعثنا لهم موت الفجأة، إننا بنو الملك خفاق علينا سبائبه
فراحوا فريقاً في الأسار، ومثله قتيلٌ ومثل لاذ بالبحر هاربه
ويظهر فخر بشار بن برد بقبيلته وقوم قيس عيلان، ويبين أنهم أبناء للملك، وأنهم لا يهابون الموت فهم أبناؤه، يحملون رايات الملك في معركتهم. فينتصرون في معركتهم انتصاراً ساحقاً حاملين راياته للمجد، ببسالتهم وبطولتهم في المعركة وانتصارهم على عدوهم انتصاراً ساحقاً مبيناً. وبين الشاعر في أبياته أن العدو قد قتل جزء منه، وأسر الجزء الآخر، والجزء الأخير قد لاذ بالفرار نحو البحر الذي ليس لهم منجى منه من الغرق.
قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور
يعود الشاعر في البيتين الأخيرين من قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور، ليرسم صورة من جديد للجيش المنتصر. شرح البيتين ( 11 – 12):
وأرعن يغشى الشمس لون حديده وتخلس أبصار الكماة كتائبه
تغص به الأرض الفضاء أذا غدا تزاحم أركان الجبال مناكبه
يبدأ الشاعر هنا بإعاد الصورة التي يفخر بها بانتصار جيشه، وكيف أنه حمل الأسلحة القوية، والمتنوعة، وأن عدته بلمعانها وكثرة الجنود الحاملة لها تغطي نور الشمس من كثرتهم. وكيف أن هذه الأسلحة تلمع وتسطع لتملأ الأرجاء من كثرة الأسلحة، وكثرة الجنود الذين زاد عددهم عن حجم المنطقة التي وقعت فيها المعركة، فأصبحوا مزاحمين للجبال بجميع جوانبها وكافة نواحيها.
هكذا ننتهي من شرح قصيدة بشار بن برد إذا كنت في كل الأمور، التي تناولناها في فقرات هذا المقال بكل تفصيل، فهي من روائع الشعر العربي، التي تلونت بين نصح وفخر، ووصف.