من القائل اذا انت اكرمت الكريم ملكته، على مر العصور وبرغم كثرة الكبوات والانجازات التي خاضها العرب، فرايات العرب الأدبية لم تنكّس على مر الأزمان، فحتى في أحلك الظروف تجد أن العرب دائماً ما كانوا في صدارة قامات أباطرة الحروف، واتقنوا السباحة في بحور الشعر وأمتعوا في تخليق أعذب القوافي، ولا تختلف حضارة قادمة أو مملكة آفلة على تفوق العرب وتقدمهم في البلاغة ودقة الوصف وكتابة أجمل ما توارد بين الأجيال، وقال أحد شعراء العرب ذات مرة وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدي، فهيا لنجيب على سؤال من القائل اذا انت اكرمت الكريم ملكته.
إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللّئيمَ تمردا من القائل
للوهلة الأولى التي تقع فيها عيناك أو تتلقف أذناك هذا البيت الشعري العميق، توقن أن قائله من أعلام الأدب العربي، وأن له من القصائد الجميلة التي تشع نوراً وبلاغة ما تكفي لإضاءة قلوب كل محبي الشعر والنثر، وبالفعل يعتبر أبو الطيب المتنبي قائل البيت صرحاً عظيماً في مملكة الأدب، وسننقل لكم بعض من سيرته الذاتية على النحو التالي:
- الكنية: أبو الطيب المتنبي.
- الاسم: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي المذحجي.
- القبيلة: مذحج.
- مكان الولادة: الكوفة بالعراق.
- تاريخ الولادة: العام 915 بعد ميلاد السيد المسيح.
- العمر عند الوفاة: 50 عاماً.
- مكان الوفاة: النعمانية بالعراق.
- مميزاته: الكبرياء والشجاعة.
قصة إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا
عندما تفتح التلفاز لتشاهد فيلماً سينمائياً وشاهدت في تتر المقدمة نصاً مكتوباً يخبرك أن الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، فجأة يتضاعف شغفك وتحرقك شوقاً لمشاهدة الفيلم وحكايته، بل أنك تتابع أحداثه بتركيز عالي وتوفر كافة العوامل لكي تقلل تشويش محيطك، وتذلل كل العقبات لكي لا ينقطع حبل مشاهدتك لذاك الفيلم، ومن أكثر المميزات التي تعد بصمة في الأدب العربي، أن أغلب القصائد الشعرية أو المخطوطات النثرية لها حكاية وأصل، وسنعرض عليكم الروايتان اللتان ينسب لإحداهما قصة بيت الشعر اذا انت اكرمت الكريم ملكته على النحو التالي:
- الرواية الأولى: يحكى أن رجلاً كان حسن السمعة هو وأهل بيته، كانت له فتاة في عمر الزواج، فتقدم لخطبتها شاب يسكن على الجهة الأخرى من النهر المحاذي لمنزل الرجل، فطلب الرجل من الشاب أن يقدم مهراً لابنته يكون عبارة عن كيس بصل، فتعجب الشاب وباغتت فؤاده فرحة لحسن ويسر طلب الرجل، وأراد الله تعالى أن يتم زواج الشاب من ابنة الرجل، فلما صارت صاحبته ورزقهما الله بطفل اشتاقت الزوجة لأهلها، فأشارت على زوجها بمصاحبتها في زيارتها فلما وصلت النهر هي وزوجها والرضيع حمل زوجها طفلهما الرضيع وعبر به النهر، وعبرت الزوجة النهر بلا مساعدة من زوجها فتعثرت ونادت على زوجها لينجدها، فرد عليها الزوج انجوا بنفسك فأنتِ تساوين ثمن كيس بصل، فتلاطمتها الخيبة والاستسلام ومياه النهر حتى كادت أن تموت غرقاً أو حسرة الله أعلم، فأراد الله أن يمد في أجلها وأرسل من ينقذها، فلما عبرت الزوجة النهر بسلام وأكملت طريقها إلى بيت أهلها، ووصلت إلى مضاربهم أخبرت أباها بما حدث، فما كان منه إلان أن أعطى الطفل للزوج وأمره بالرحيل عنهم وأن لا يعود لطلب زوجته حتى يأتي لهم بكيس من الذهب، فعاد الزوج إلى بيته محملاً بفشله وطفله، وأراد الزواج بأخرى فلم يستطع لأن سيرته طلخت بعد الذي حدث، فقرر أن يعمل ويجمع الذهب المطلوب ليرد زوجته وفعلاً فعل وردها وقيل أن والدها قال مقالاً في ذلك المقام يشبه مقال اذا انت اكرمت الكريم ملكته.
- الرواية الثانية: يقال أن عجوزاً أعرابية عثرت على جرو ذئب بجوار طريق، فتعجبت لأمره وتركته لعل أمه بالجوار وستأتي لنجدته أو أنها ذهبت لتحضر له طعاماً، وخلال عودة الأعرابية من ذات الطريق، وجدت الجرو في مكانه، فتأثرت وحملته معها إلى ديارها، وأحضرت شاة حلوب ليرضع منها الجرو، وعاش متخذاً من بيت العجوز مرتعاً ومن شاتها مرضعاً، حتى دخلت الأعرابية ذات يوم على الجرو ومرضعته فوجدت الجروب يغرس أنيابه في بدن الشات ممزقاً أكلاً ناكراً لصنيعها، فأنشد المتنبي في حكاية الأعرابية شعراً يرجع له أصل بيت اذا انت اكرمت الكريم ملكته.
لو أردنا أن ننظم في شعراء العرب وأدباءهم كلاماً لقلنا فيهم، وكأن الخالدين بأبياتهم يتبارون في ملحمة كلامية ونحن الشهود على ارثهم لا نملك لمعاركهم فضاً ونغنم من صراعاتهم ما هو أثمن من الفضة وقصائد تعادل الكنوز الذهبية، هذه الروعة التي تفيض من الحروف العربية الأصيلة هي ما دفعتنا لنكتشف غيض عن الشاعر الذي أسر الألباب ودفع الأحباب لمعرفة من القائل اذا انت اكرمت الكريم ملكته.