من اول من قال الشعر ، إن الشعر ليس وليد الأحداث، وليس وليد الأيام الحاضرة، بل قيل في عهد قديم، حتى أن جذروه تمتد منذ بدء الخلق، وهو في القدم أقوى وأجزل مما عليه الآن، فالشعر هو تلك الأبيات المنظمة تنظيمًا مقننًا ومرتبًا، يعبر فيه أحد القائلين عن اختلاجات صدروهم، وعم يتملكهم من مشاعر وأحاسيس، أو ربما ليعبروا فيه أحداث يعيشونها، فبعضهم يقوله مادحًا، وبعضهم يقوله متغزلًا، علاوة على الكثير من الأغراض التي يقول فيها الشعراء منها الرثاء، والهجاء، والمديح النبوي، والفخر، والوصف، والحكمة، بالإضافة إلى الأشعار التعليمية والسياسية وغيرها الكثير، وفي سياق هذا الحديث سيكون من مقالنا نصيب ل من اول من قال الشعر.
اول من نطق بالشعر
قد قيل في الآثار: أن أول من نطق بالشعر على وجه الأرض هو سيدنا آدم عليه السلام، الذي قال الشعر بعدما قتل توفي ابنه هابيل على يد ابنه قابيل، وقد قال فيه سيدنا آدم بعض من الأبيات الشعرية راثيًا إياه، غير أنه لم يكن يدري أن ما يقوله شعر، أو لم يجلس بينه وبين نفسه ليقوم بتنظيم هذا الشعر، بل قاله ارتجالًا وأجراه الله على لسانه مباشرة يرثي فيه ابنه، وهذه الأبيات هي:
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه وألحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح
تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح
وقد جاءه الجواب في وقتها من إبليس رادًا عليه بقوله:
تـنوح على البلاد ومن عليها وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثم مكري إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح
من هو أول من قال الشعر
قد تناقلت أيضا الأخبار القديمة وما وصل إلى عهد التدوين، أن أول من قـال الشعر هو قحطان بن يعرب، غير أنه لم يصل إلينا من شعره أي شيء، حيث لم يكن قديمًا أمر الكتابة معروف، وكانت تصل إلينا الأشعار تناقلًا بالحفظ.
وقد قيل كذلك أن أول من قال كلامًا وصف على أنه شعر هو العنبر بن عمرو بن تميم، وكذلك لم تردنا منه أي أشعار، وهذا لا يعني أنه لم يكن ليشعر، بل عدم وصول أشعاره إلينا هو لسبب عدم تناقلها بالحفظ ليس إلا.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن العرب أولوا للشعر والشعراء عناية بالغة، وكان للشعر مكانة بالغة وورود سريع المنزل في قلوب العرب في الجاهلية، وجعل الناس قديمًا حتى الحكام منهم من الشعراء أسطورة يخلدها ويمجدها التاريخ، وأكرموهم أشد الإكرام، فكانوا هم من يصفون ويتحدثون عن فخر وعزة وكرامة العرب، وكانوا بارعين في وصف كل شيء، الأمر الذي جعل لهم مكانة كبيرة ومنزلة سامية في قلوب الكثير من الناس، واستمر هذا الاهتمام بالشعر حتى يومنا هذا.
من اول من قال الشعر كان عنوان مقالنا لهذا اليوم، والذي وضعنا فيه القائل الأول للشعر على اختلاف الرواة قديمًا على أول من قـاله، ثم وضحنا منزلة الشعر في قلوب العرب في القدم.