اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر

يسمّى شهر رمضان بشهرِ القرآن؛ ففيه أُنزِل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يتدارسه مع جبريل عليه السلام في ليالي رمضان المباركة، ويُطلق عليه أيضًا شهر القيام، لأنّ هذه العبادة تكثُر فيه، فنجد حرصًا كبيرًا من المسلمين على الحفاظ على قيام كلِّ ليلة في رمضان، رجاءَ كسبِ الأجر العظيم، ونجدهم يتسابقون على الإكثار من الطاعات، والإقبال على الله عزّ وجلّ بقلوبٍ مُخبتة، ليُكرمهم الله سبحانه وتعالى بالعتق من النيران، وذلك في كلِّ ليلة من لياليه.

اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر فهل هذا بالأحرى أن تكون ليلة القدر

اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر فهل هذا بالأحرى أن تكون ليلة القدر
اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر فهل هذا بالأحرى أن تكون ليلة القدر

يتم تحري ليلة القدر في الليالي الوترية من العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”، وقد وُردت الكثير من التساؤلات عبر المواقع الإلكترونية عن اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر فهل هذا بالأحرى أن تكون ليلة القدر؟ وأن هذا القول قد وُرد عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حسب ما يقول بعض الناس، فما مدى صحة هذا الاعتقاد وصحة هذه العبارة؟ والإجابة كالتالي:

  • لم نجد أن هذا القول الذي يُنسب لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- صحيح، وإنما نقله ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- عن ابن هبيرة فقال -رحمه الله- ناقلا عن ابن هبيرة رحمه الله -: “وإن وقع في ليلة من أوتار العشر ليلة جمعة، فهي أرجى من غيرها”.
  • ولعل هذا القول بناه صاحبه على الاعتقاد أن ليلة الجمعة هي أفضل ليالي الأسبوع فاذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر من شهر رمضان فهي أحرى أن تكون ليلة القدر، ولم نجد من الأحاديث النبوية أو أقوال الصحابة ما يؤيد أن هذا القول صحيح، والذي تدل عليه الأحاديث أن ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر، وأن أوتارها أرجى أن تكون فيها ليلة القدر، وأرجى هذه الليالي هي ليلة سبع وعشرين، من غير جزم أنها ليلة القدر، كما ورد في الكثير من سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، فقال ابن عباس رضوان الله عليه: ( أنها ليلة سبع وعشرين ) واستنبط ذلك استنباطاً عجيباً من عدة أمور، فقد ورد أن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم وكان صغيراً فقالوا: إن ابن عباس كأحد أبنائنا فلم تجمعه معنا؟ فقال عمر: إنه فتى له قلب عقول، ولسان سؤول، ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها من العشر الأواخر من رمضان، فسأل ابن عباس عنها، فقال: إني لأظن أين هي، إنها ليلة سبع وعشرين، فقال عمر: وما أدراك؟ فقال: إن الله تعالى خلق السموات سبعاً، وخلق الأرضين سبعاً، وجعل الأيام سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل الطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس.
  • قال الشيخ سليمان الماجد -حفظه الله ورعاه-: “لا نعلم في الشريعة دليلاً على أنه اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر، فإنها تكون ليلة القدر، وعليه: فلا يجزم بذلك ولا يعتقد صحته، والمشروع هو الاجتهاد في ليالي العشر كلها، فإن من فعل ذلك، فقد أدرك ليلة القدر بيقين، والله أعلم”.
  • لذا يجب على المسلم أن يحرص على الجد والاجتهاد في العشر الاواخر كلها من شهر رمضان الفضيل اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وعدم الركون إلى ليلة محددة، وهذا مقصد قيام الليالي العشر من رمضان وهذا مقصد إخفاء تلك الليلة عن علم البشر.
  • وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: “ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الاخيرة منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها”.
  • وقال النووي -رحمه الله-: “حديث أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين، وهذا أحد المذاهب فيها، وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الاواخر من رمضان، وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين، وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل، وقال المحققون: إنها تنتقل فتكون في سنة: ليلة سبع وعشرين، وفي سنة: ليلة ثلاث، وسنة: ليلة إحدى، وليلة أخرى وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها”.

إحياء ليلة القدر

إحياء ليلة القدر
إحياء ليلة القدر

تأتي ليلة القدر في الليالي الفردية من الليالي العشر الاخيرة من شهر رمضان، وقد حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على إحياء وتعظيم اليالي العشر الأخيرة من رمضان لعلها القائم فيها يدرك ليلة القدر المباركة والتي فضلها يفوق ألف شهر، وليلة فقد تنزل القرآن الكريم فيها على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الوحي جبريل في غار حراء، وينبغي على المسلم إحياء ليلة القدر وتفريغ نفسه للطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ومن أفضل أعمال ليلة القدر:

  • إن من أفضل ما يمكن للمسلم القيام به في هذه الليلة المباركة، هو الدعاء لله -عز وجل- على أن يبلغك هذه الليلة ويعينك على قيامها.
  • الصلاة وقراءة القرآن وقراءة الأذكار.
  • يمكن صلاة القيام في ليلة القدر في البيت منفرداً أو في جماعة مع أهلك أو جماعة في المسجد، والتوجه إلى الله عز وجل بالقيام والإكثار من السجود طوال الليل حتى أذان الفجر.
  • الإكثار من الدعاء بطلب المغفرة والرحمة من الله عز وجل، ودعاء ليلة القدر هو ما قاله رسولنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
  • يُستحب الاعتكاف في المساجد في ليلة القدر.
  • يُستحب إخراج الصدقة في كلّ أيام شهر رمضان المبارك، ولكنّها تكون أعظم أجراً وأفضل في العشر الأواخر منه، وهي مُفضلةٌ في العشر الاواخر على ما قبلها من أيام شهر رمضان، وعندما علم بعض الناس أن ليلة القدر قد تكون في ليلة السابع والعشرين من العشر الاواخر أصبحوا يُكثرون من الصدقة في ليلة القدر، لأن أجر العمل الصالح فيها مُضاعف وأفضل من ألف شهر، قال الله سبحانه وتعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

ونستنج من المعلومات الواردة في مقالنا هذا أن القول المنسوب للامام ابن تيمية -رحمه الله-، أن اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر، فهو قول غير صحيح ولم يُذكر عن الامام ابن تيمية، ويوم الجمعة ليس أفضل من أيام الاسبوع الاخرى في شهر رمضان، فكل أيام شهر رمضان مباركة، ويجب الجد والاجتهاد فيها على الطاعات والعبادات، بسبب كثرة الاسئلة في مواقع البحث الالكترونية عن القول المنسوب لشيخ الاسلام ابن تيمية، شرحنا لكم في هذا المقال مدى صحة مقولة اذا وافقت ليلة الجمعة احدى ليالي الوتر من العشر.

Scroll to Top