من هو ابو فراس الحمداني؟ ارتبط اسم أبو فراس الحمداني بالدولة الحمدانية، التي أنشئت في مناطق شمال سوريا، وبعض أجزاء من العراق، وذلك في القرن العاشر بعد الميلاد، والتي أسسها سيف الدين الحمداني ابن عم أبو فراس الحمداني، وهو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الرَّبَعي، وقد اشتهر بشعره، وعرف كقائد عسكري في الدولة الحمدانية، وقد عاش في نفس عصر الشاعر المعروف المتنبي، وقد وقع أبو فراس أسيراً لدى الروم.
من هو ابو فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني شاعر عربي ظهر في زمن المتنبي، وهو ابن عم لمؤسس الدولة الحمدانية ” سيف الدولة”، وقد ولد أبو فراس الحمداني في العام 932 ميلادي، واشتهر بأشعاره وقصائدة الثرية بالبلاغة والفصاحة، والتي تتنوع ألوانها ما بين مديح، وفخر ورثاء، وغيرها من أغراض الشعر، عاش في عصر الشعراء، وان قائد عسكري في الدولة الحمدانية في العراق وشمال سوريا، وقد وقع وهو يشارك في معرة أسيراً للروم، حيث توفي في العام الميلادي 968، مقتولاً في أحد المعارك، وكان هذا هو سبب وفاته.
اجمل اشعار أبو فراس الحمداني
كتب أبو فراس الحمداني مجموعة شعرية شكلت تراث عربي من البلاغة والمشاعر الجياشة، ومرجع لكل محبي كتابة الشعر، ومن أشهر ما كتبه أبو فراس كان رمياته، وهي عبارة عن القصائد التي ألفها عندما وقع في إحدى المعار أسيراً للروم، فخاطب بها ابن عمه ” سيف الدولة” وعاتبه مندهشاً منه لمماطلته في تحريره، كما أن أبو فراس عبر في هذه القصائد عن بالغ أساه وحزنه في الأسر، وبين كيف يكون شعور الأسير، كما تنوعت قصائدة في الفترة السابقة للأسر ما بين مديح، وغزل حمل مشاعر طيبة رقيقة، كذلك كتب في الرثاء، ومن أشهر القصائد التي ألفها أبو فراس الحمداني كانت قصيدة بعنوان أراك عصي الدمع.
روميات أبي فراس الحمداني
روميات أبي فراس الحمداني من قصائد الأسر التي خطت بدمع الأسى في البعد عن الوطن، ومنها قصيدة أراك عصي الدمع من القصائد المشهورة جداً التي ألفها أبو فراس الحمداني، حيث تم تحويلها لأغنية بلحن، حيث غنتها أم كلثوم، وقد ألفها قبل وفاته بحوالي سبع سنوات أي في العام 961م، وهي من روميات الحمداني عندما كان واقعاً في أسر الروم، وقد تبدو هذه القصيدة كما غنتها أم كلثوم قصيدة عشق من حبيب لمحبوبته، لكنها تعبر عن حب أبو فراس لبلاده، وكيف أنه أفنى العمر يدافع عنها.
قصة أراك عصي الدمع
هذه القصيدة التي ألفها الحمداني وهو أسير لدى الروم، حيث كان أبو فراس مقرباً من ابن عمه ” سيف الدولة” الذي كان حاكم الدولة الحمدانية في ذلك العصر، والسبب في ذلك هو اتقانه للشعر، وقوله القصائد بكل ألوانها، فكان دائماً في مجالس العلماء والشعراء لدى الحاكم، كما رشحته فروسيته، وبطولاته، وما كان له من جولات بسيفه يحارب به الروم، ويبعدهم عن الدولة الحمدانية، وقد وقع في الأسر مرتين، ولكن ذكاءه وشجاعته مكناه من التخلص من الأسر بنفسه، ولكن شاء الله أن يقع في الأسر للمرة الثالثة فقام بإرسال الرسائل لابن عمه الحام ” سيف الدولة” وذلك من أجل أن يقوم بدفع الفدية ويخرجه من السجن، لكن سيف الدولة تجاهل رسائله بالكامل، حيث كان يلتف حوله بعض الكارهين لعودة أبي فراس، وبعد طول المدة التي انتظر فيها أبو فراس الحمداني سيف الدولة ليخلصه من الأسر، يئس من الأمر فكتب هذه القصيدة واصفاً بين سطورها نفسه، ومدى حبه لوطنه، وكيف أفنى العمر مدافعاً عنها.
نص قصيدة أراك عصي الدمع
هذه القصيدة الجميلة وكأنها من عاشق كتب حروفها وخطها بحب وشغف، وفيها من الحزن والعتاب، حيث كانت السبب الرئيسي لتحرير أبي فراس من الأسر، وذلك لما فيها من مشاعر جياشة صادقة، استشعرها سيف الدولة عندما وقعت القصيدة بين يديه وقرأها؛ ونضع هنا نص قصيدة أراك عصي الدمع:
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ والموتُ دونهُ إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا وأحسنَ منْ بعضِ الوفاءِ لكِ العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفها من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً هوايَ لها ذنبٌ وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ وإنّ لي لأذْناً بهَا عَنْ كُلّ وَاشِيَةٍ وَقرُ
بدوتُ وأهلي حاضرونَ لأنني أرى أنَّ داراً لستِ من أهلها قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ وإنّهُمْ وإيايَ لولا حبكِ الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها فتأرنُ أحياناً كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: “منْ أنتَ؟” وهي عليمة ٌ وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ كما شاءتْ وشاءَ لها الهوى: قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: “لو شئتِ لمْ تتعنتي وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: “لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ
وَما كانَ للأحزَانِ لَوْلاكِ مَسلَكٌ إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ بعدي لعاشقٍ؛ وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
كانت هذه القصيدة من أشهر روميات أبو فراس الحمداني، فهو شاعر ذو إحساس مرهف، يصوغ الكلمات بطريقة تلامس القلوب، وتحاي العقول؛ ذكرنا في سطور المقالة من هو ابو فراس الحمداني؟ والذي ارتبط اسمه بأغنية أم كلثوم ” أراك عصي الدمع”، وهو الملقب بحامل القرطاس والسيف، فهو قائد شاعر.