خطبة عن العشر الاواخر من رمضان، شهر رمضان هو ذاك الشهر الفضيل الذي ننتظره من العام إلى العام لننهل من خيره، شهر جعله الله -تعالى- ملاذًا للقلوب المتعبة؛ لتلجأ إلى ربّها بالدعاء والاستغفار والعمل الصالح، ولتجدد النيّة مع الله في شهر الخير، شهر الايام الفضيلة والعشر الاواخر وليلة القدر المباركة التي انزل الله بها القرآن الكريم علي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
خطبة عن العشر الاواخر من رمضان 2025
تعتبر الخطب من اكثر ما يتم تأثره بالمسلمين، لانها تكون مباشرة مع الناس وتكون لها الاثر الاكبر والاكثر، في نفوس المستمعين، وكذلك اسلوب وبلاغة الخطيب ايضا لها الاثر المهم والكبير في جذب المصلين واقناعهم وهدايتهم، لذا سنذكر لكم الخطبة التالية ولكم الخطبة الاولى والخطبة الثانية:
الخطبة الأولى:
هذا الشهر وفضله بمزايا عظام، أنزل فيه القرآن ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
وهو شهر الصيام ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
ونصر الله رسوله عليه الصلاة والسلام في أول معركة مع المشركين في رمضان يوم بدر يوم التقى الجمعان وأمد جنده بملائكة كرام، وفتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان وحطم الأصنام ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وخص الله تعالى هذا الشهر بليلة مباركة هي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم خير من صلى وصام وقام لربه خير قيام، أما بعد عباد الله:حقاً لقد عرف حق ربه جل وعلا وعرف شرف هذه العشر، فاجتهد فيها مع أنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكان عبداً شكوراً. الليلة القادمة هي أول العشر الأواخر من رمضان التي أختصها الله عز وجل بالفضائل والأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة، فاهتدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم فيها، يا من يريد شفاعته ويريد أن يشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم أقتد به في جميع أحواله وأقواله عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ».
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ».
فهذا هديه صلى الله عليه وسلم إحياء الليل بأنواع العبادات من صلاة وقراءة للقرآن وذكر لله وتسبيح وتهليل وتحميد واستغفار وبذل وصدقة وعطاء وإنفاق وحسن خلق وطلب علم وغير ذلك من أنواع العبادات.
• فينبغي للمسلم في هذه الليالي الغاليات التي والله إنها لتمر كما مرت الليالي الماضيات أن يجد ويجتهد في هذه العشر من قيام الليل الذي هو دأب الصالحين وقربة إلى ربكم الكريم، والعناية بالصلاة بتطويل القيام والركوع والسجود والتلاوة والخشوع.
وإيقاظ الأهل والأولاد ليشاركوا المسلمين في إظهار هذه الشعيرة ويشتركوا في الأجر والثواب ويتربوا على العبادة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ».
• وإلى شبابنا في هذه الليالي المباركات العظيمات أقول لهم إنها والله أوقات ثمينة وغالية جد غالية فالله الله في الحرص عليها بأنواع الطاعات لا بضياع الأوقات والسهر في الملهيات لعلكم تتعرضون لنفحات الرب النورانية وفيوضا ته الرحمانية عند الخشوع في الصلاة وتدبر الآيات والتضرع بالدعاء للرحمن في الليالي المباركات، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
يا من يريد القرب من الله، والدخول من الريان والزوجات الحسان والنخل والرمان وفوق ذلك رؤية الرحمن.
اغتنم جوف الليل بالذكر ة والقرآن والصلاة..
جاء في الحديث ((إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ)).
عباد الله: ألا وإن في هذه العشر ليلة خير من ألف شهر هي ليلة القدر، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 – 5].
خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص:
• نزل فيها القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ونزل أوله من السماء الدنيا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3].
• وفي هذه الليلة تنزل الملائكة بالرحمات والبركات والسكينة وبكل أمر قضاه الله وقدره لهذه السنة.
﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4].
• وأن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، فالعمل والعبادة في هذه الليلة لمن وفقه الله تعدل هذا الزمن الكبير ألف شهر، فهل يحق لعاقل أن يفرط في هذا الفضل.
• وهذه الليلة سلام إلى طلوع الفجر تسلم الملائكة والروح (جبريل عليه السلام)
على المطيعين وذلك أن الملائكة ينزلون فوجا فوجا من ابتداء الليل إلى طلوع الفجر
﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 4، 5].
• وفيها أن الله يغفر لمن قامها إيمانا واحتسابا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ،)).
هذه الليلة هي في العشر الأواخر من رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم: ((«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، وقد أخفى جل وعلا علمها عن العباد ليقع الجد في طلبها ويجتهد العباد في العبادة طلبا للأجر والمثوبة.
• ألا وإن لهذه الليلة علامات منها: أنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة وأنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا، وأن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأُرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ، وَطِينٍ، فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ، وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ».
• إن من الدعاء المستحب في ليلة القدر ما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: ” تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي “.
عباد الله استغلوا هذه الليالي المباركات بالطاعات وأنواع الحسنات فالعبرة بالاجتهاد والصبر والإخلاص والصدق والإيمان والاحتساب فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه فقيل له قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا، فلا إله إلا الله ما أصدقك وما أعبدك لله وما أحلا كلامك فقد كنت عبدا شكورا لربك.
• ألا وإن من خصائص هذه العشر مشروعية الاعتكاف وهو مسنون فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ».
والاعتكاف لزوم المسجد والبقاء فيه للتفرغ لطاعة الله طلبا لفضله وطلبا لليلة القدر.
وَقد شَرَعَه الله الَّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيَّتُهُ عَلَيْهِ، وَالْخَلْوَةُ بِهِ، وَالِانْقِطَاعُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبُّهُ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ هُمُومِ الْقَلْبِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمُّ كُلُّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلُّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيَعُدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ، وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ، فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمِ.
حرام على قلبي وإن شفه الضنى ♦♦♦ يميل إلى مولًى سواك وصاحبِ
في الخلوة بالله والتفويض إليه وفرح القلب وسروره بقربه والأنس به والشوق إلى لقائه كما في الحديث ((«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ،والشوق إلى لقائك».
كان بعض العارفين يقول: ” مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا، قَالُوا: وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: مَحَبَّةُ اللَّهِ، وَالْأُنْسُ بِهِ، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ. وقال آخر: إِنَّهُ لَيَمُرُّ بِالْقَلْبِ أَوْقَاتٌ، أَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ.
فكيف إذا تجردت الروح وفارقت دار الأحزان والآفات واتصلت بالرفيق الأعلى ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70]
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
فضائل العشر الأواخر من رمضان
ان للعشر الاواخر من شهر رمضان المبارك، نفحات ايمانية عظيمة، ففيها العتق من النار، وسنخص حديثنا حول فضائل العشر الأواخر من رمضان، وسنذكر لكم خطبة عن فضل العشر الاواخر من شهر رمضان الكريم، وقد كانت كالتالي:
الخطبة الثانية: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فضائل العشر الأواخر من رمضان فهاهي عشركم -يا عباد الله- قد حضرت، وهاهو ثلث الشهر الأخير قد بدأ، وهذا موسم المتسابقين، وسوق العابدين، وفرصة المجتهدين، هذه العشر التي كان نبيكم ﷺ يشد مئزره إذا دخلت، ويعتزل النساء للعبادة؛ لأنه كان يعتكف في المسجد وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِالبقرة:187، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وهذا فيه اهتمام بالأهل والأولاد، وليس أن يجتهد الأب، والبقية نائمون، وإنما هو اجتهاد واستنفار عام في البيت لهذا الحدث الكبير الذي وقع، وهو دخول هذه العشر، ومن الناس من لم يدركها؛ لأن الله تعالى كتبه في الأموات.
عباد الله: في هذه العشر فضل عظيم؛ لأن أحد لياليها هي ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍالدخان:4، فأنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفصلاً، ومنجماً، ومفرقاً بحسب الوقائع والأحداث، وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِالقدر:1، فهي ليلة ذات قدر، وشرف، ومنزلة، وذات خير، وبركة، وعظمة، وذات رحمة، ومغفرة، وعتق، وقد قال ﷺ: إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم، وهذه الليلة العظيمة؛ العبادة فيها أفضل من العبادة في ألف شهر، وهو عُمر إنسان مُعمَّر، أكثر من ثلاث وثمانين سنة.
في هذه السنة تنقل مقادير الخلائق من الأرزاق، والآجال من اللوح المحفوظ، إلى صحف الملائكة، تفصل المقادير من اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه الأقدار قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وفي ليلة القدر من كل عام تفصل أقدار كل سنة من اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة لتقوم بإنفاذها، فترى شخصاً يمشي في الأرض وهو مكتوب في هذه السنة من الأموات.
عباد الله: ما يقدر الله كل سنة من خير، ورزق، وصحة، ومرض، وحياة، وموت، وولد، ونحو ذلك من الأقدار كله في هذه الليلة ينقل إلى صحف الملائكة فهنيئاً لمن أصاب ليلة القدر فسأل الله خيره، وسأل الله فضله، قال الإمام النووي رحمه الله: ليلة القدر مختصة بهذه الأمة زادها الله شرفاً فلم تكن لمن قبلها، ما أدركها داع إلا وظفر، ولا سأل فيها سائل إلا أعطي، ولا استجار فيها مستجير إلا أجير.
كان السلف رحمهم الله يستحبون الإكثار من الدعاء تلك الليلة، وقال الشافعي رحمه الله: “أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها”.
وهذه الليلة من الليالي ينبغي أن تتحرى، وقد أخفاها الله تعالى لنجتهد في العبادة في كل ليالي العشر، لعل العبد أن يصيبها، فمما ينافي الحكمة الإلهية في إخفاء ليلة القدر، جزم بعض الناس في رسائل الجوالات بأنها ليلة كذا، فيصيب بعض الناس من الإحباط ما يصيبهم، ويقعد بعضهم عن العبادة فيما بقي، والاجتهاد لأجل رأي أطلقها شخص في رسالة، فإذا كان الشرع أخفاها فأنت تسير مع مراد الشرع في الإخفاء؛ لأن العبد إذا وافق حكمة ربه، فتأمل ماذا يريد الله من وراء هذه الأوامر، والنواهي، والنصوص، والتشريعات، فسار على وفق مراد الله، وحقق حكمة الله، فإنه من أولي الأبصار والألباب، وكذلك يكون من الأخيار الذين أراد الله بهم خيراً بالفقه في دينه.
ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، بلجة، منيرة، معتدلة، تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، سالمة من الشيطان والعذاب.
عباد الله: من طال قيامه اليوم هون الله عليه القيام غداً، ومن مشى إلى المساجد في الظلمات في العشاء والفجر فله النور التام، بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ، ويدخل فيه مشيهم اليوم لصلاة التراويح قياماً بالليل لله تعالى، كان صفوان بن سليم يصلي في الشتاء على السطح، وفي الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح، وترم رجلاه، ويظهر فيه عروق خضر، قالت بنت لجار منصور بن المعتمر، لأبيها: يا أبتِ أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة؟، فقال: يا بنيه ذاك منصور نفسه كان يقوم الليل، فلما مات اختفت الخشبة في نظر البنت، وكان ابن أبي ذئب يصلي الليل ويجتهد فيقول له بعض أهله: ارفق بنفسك، فيقول: إن القيامة تقوم غداً كأن القيامة تقوم غداً، هكذا كانوا يجتهدون، يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُالإسراء:57، وكانوا لا يقطعون هذه العادة لا في حضر، ولا في سفر، حتى يقطعهم الموت، وكذلك كان بعضهم يحرس أصحابه في السفر إذا ناموا في الليل وهو قائم لله تعالى، وكان بعضهم يتهجد طويلاً فإذا نعس هز رأسه يطرد النعاس، ويناجون الله تعالى، يصلون الليل، ويستغفرون بالأسحار كما قال ، والاستغفار عبادة عظيمة، ويندب الإكثار منه في السحر، وهو قبيل الفجر، ومنه أخذ واشتق اسم السحور، ومن أي شيء يستغفرون وقد كانوا يعبدون؟ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَالذاريات:18؛ لأن المؤمن دائماً يرى نفسه مقصراً، وقد لا يقبل منه، فهو يستغفر من التقصير، ويرجو القبول.
كانت قراءة الفضيل حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنما يخاطب إنساناً، إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يرددها ويسأل، وهكذا الذي لا يعرف تفسير القرآن ربما دخل فيما عابه الله وذمه من قوله: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّالبقرة:78، قيل: الأماني مجرد قراءة الحروف والكلمات، أما المعاني فلا حظ لهم فيها، وليس شيء أنفع للقلب من تدبر الآيات، وهذا الذي يسهل الوقوف وراء الإمام، فكثير من الناس يتألم من طول الوقوف؛ لأنه لا يفقه ما يسمع، ولو فقه وتدبر، وتدخل في معاني الآيات لسهل عليه القيام، وهكذا يتدبر الإنسان في التقديم والتأخير، كما في قوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَالشورى:49، فقدم الإناث رداً على ما كانت تفعله أهل الجاهلية من احتقار البنات حتى دفنوهن أحياء، ونكر الإناث وعرف الذكور يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًاالشورى:49، ولم يقل الإناث، وقال: وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ الشورى:49، ولم يقل ذكوراً، جبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص تأخير الذكور بالتعريف، وهكذا يتدبر في قوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍالأنعام:99، فلماذا قال مشتبهاً ولم يقل متشابه؟ وقال وغير متشابه ولم يقل مشتبه؟ وفي الآية الأخرى قال: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍالأنعام:141، فما المعنى؟ وما المراد؟ ولماذا قال: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًاالكهف:97، وزيادة التاء تفيد الزيادة في المعنى، فالنقب أصعب، وما اسطاعوا بلا تاء أن يظهروه؛ لأن الظهور والعلو عليه أقل صعوبة، وهكذا يفكر ويتدبر، قال إبراهيم الخليل: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا إبراهيم:35، وفي آية أخرى: اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًاالبقرة:126، فلماذا كانت أل هنا، ولم تكن هناك، والسبب أن قوله: اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا البقرة:126، قبل أن تنشأ مكة أول ما وضعهم، ولما رجع ورأى مكة نشأت دعا مرة أخرى وقال: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا إبراهيم:35، وهكذا يتمعن الإنسان، ويتدبر في التهديد والوعيد، وهذا الذي يؤدي بالإنسان للتلذذ بالقرآن.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم اجعلنا ممن يقيمه يا رب العالمين، ارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار كما تحب وترضى، اللهم فقهنا في كتابك، واجعلنا به عالمين، ولا تحرمنا خيره، وبركته يا رب العالمين.
عباد الله: هذا الاعتكاف فيه الصلوات الخمس، وهو مبكر إليها تلقائياً باعتكافه، وكذلك فيه إدراك تكبيرة الإحرام دائماً؛ لأنه متفرغ لذلك، وأيضاً فيه تلاوة القرآن داخل الصلاة، وخارج الصلاة، وفيه أيضاً التفكر، والتدبر، والتأمل، وفيه محاسبة النفس، والتفكير في عيوبها، والتوبة، وفيه التركيز للاستعداد ليوم الرحيل، وإعداد العدة، ولذلك يقلل الإنسان فيه من الزيادة في النوم، أو الأكل، أو مخالطة الناس، وإذا حصل له رفيق يراجع معه القرآن فهو طيب، وقد تدارس النبي ﷺ القرآن مع جبريل.
والاعتكاف كما قال بعض العلماء: ليس له مدة معينة فيشرع لأي مدة، وقال بعضهم: أقله ليلة، من المغرب إلى الفجر، وقال بعضهم: أقله يوم وليلة أربعة وعشرين ساعة.
والمعتكف لا يخرج لزيارة مريض، ولا لإتباع جنازة؛ لأن المقصود حبس النفس داخل المسجد لطاعة الله تعالى، وله أن يخرج لما لابد له منه كقضاء الحاجة، وغسل الجنابة إذا احتلم مثلاً، ومن طعام إذا لم يوجد من يجلبه له، وليس من الاعتكاف أن ينقل جهاز المحمول بما فيه إلى المسجد، والجوال بما فيه أيضاً، وإنما يقتصر في استعمالها على ما لابد منه؛ كتفقد الأهل في البيت، ويشترط فيه أن لا يضيع عملاً، ولا وظيفة؛ لأنه يأخذ عليها أجراً وهي أمانة، ولا يضيع أهله وأولاده، والمرأة لابد أن تستأذن زوجها، ولا تضيع أولادها، وأن يكون المكان مأموناً لها، وكذلك أن لا تكون حائضاً ولا نفساء.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا إصابة ليلة القدر، اللهم لا تحرمنا أجرها، ولا تحرمنا فضلها، ولا تحرمنا خيرها، اللهم اكتب لنا فيها أوسع الحظ من الرزق والنصيب، بارك لنا فيما آتيتنا، واجعلنا من أهل كتابك يا رحمن، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم لا تفرق هذا الجمع في هذا البيت المبارك إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور يا رحيم يا غفور، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات يا سميع الدعوات، اللهم اجعلنا ممن أصاب فضل رمضان، اللهم إنا نسألك أن تخرجنا منه كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه رحمة تلم بها شعثنا، وتغني بها فقرنا، وتجبر بها كسرنا، وتقضي بها ديننا، وتشفي بها مريضنا، وترحم بها ميتنا، وتهدي بها ضالنا، يا رب العالمين يا سميع الدعاء يا رحيم يا غفور، اللهم صل على نبيك محمد ما تعاقب الليل والنهار، اللهم صل على سيدنا محمد واجعله شفيعاً لنا يوم الدين لا تحرمنا شفاعته، ولا تحرمنا الشرب من حوضه يا أرحم الراحمين، ولا تحرمنا ملاقاته في جنات النعيم، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا، وقنا خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أصلح نياتنا وذرياتنا، وهب لنا من لدنك ذرية طيبة يا سميع الدعاء، واجعلنا للمتقين إماماً، واصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً، واجعلنا ممن يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، وارزقنا الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.