خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة، تعتبر الخطبة أحد مظاهر التقدم والرقي الاجتماعي فلقد اهتمت بها الشعوب بكل زمانٍ ومكان، واتخذت منها وسيلة لإصلاح المجتمعات وتوجيهها، فهي من الفنون النثرية العريقة التي تعتمد على التأثير والاقناع والنصح والإرشاد، كما أنها ضرورة اجتماعية تفرضها ظروف المجتمع لتعبر عنه بوجه عام، كما وتعتبر الخطبة ركن أساسي في الدعوة إلى الله والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة،فلا عجب أن تكون بذلك شعيرة من شعائر الإسلام، ومن خلال مقالنا سنقدم خطبة عن بر الوالدين.
الغاية من موضوع الخطبة
الخطبة ليس لها موضوع خاص فهي رحبة لاتمتنع من دخول أي ميدان ولا تقتصر على الجوانب التعبدية دون عداها بل إن موضوع الخطبة في الإسلام هو الحياة الدنيا والآخرة، فالغاية من موضوعات الخطبة هو استمالة قلوب المخاطبين وإقناعهم نحو رأي معين لدعوتهم لفعل أمر ما أو تركه، فالخطبة هي من تأخذ بيد الناس لطريق الحق والهدى لتصل بهم إلى السعادة في الدارين.
أركان الخطبة
إن للخطبة أركان اختلف الفقهاء في عددها إلا أن ماأجمع عليه جمهور الفقهاء أنها خمسة أركان وهي:
- أن تبدأ بالحمدلله والثناء عليه عز وجل.
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- الوعظ والوصية فيها بتقوى الله عز وجل.
- قراءة آية من القرآن يذكر بها الناس.
- الدعاء للمؤمنين.
خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة
مقدمة الخطبة
إن الحمدلله تعالى نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وأزال الله به الغمة، أما بعد..
الخطبة الأولى عن بر الوالدين بالعناصر
عباد الله إن الإنسان مجبولٌ على حبِّ ولده والإحسان له والتعلق به فيفرح لفرحه ويحزن لألمه ويخاف عليه ويحميه وينتصب لتربيته فيقوم على شأنه كله وهذا الأمر مغروزٌ في نفس الوالد ولهذا لم يأت في القرآن آية تدعو لبر الآباء في الأبناء.
طاعة الوالدين بر واحسان
فحب الوالد لولده طبعٌ مفطورٌ عليه، وأما حب الولد لوالده ففيه تكلفاً ومقابلة ولهذا كثر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الدعوة لبر الأبناء بالآباء ولاسيما إذا كبر الآباء في السن لأنه إذا كبر الوالد في السن ضعف وعجز واحتاج إلى من يعينه ويرعاه في الوقت الذي يكون الابن فيه قد استغنى، وانشغل في الدنيا بعمله وزوجته وأولاده، حينئذٍ يثقل الوالد على كاهل ولده فلابد هنا له من رادعٍ يردعه من ترك والديه، فكان الرادع هو الدينٍ والخلق الحسن.
بر الوالدين بدلالة القرآن الكريم
لذلك كثر في القرآن الكريم الأمر ببر الوالدين، وكلنا يحفظ في كتاب الله قوله تعالى: “وقضى ربك ألا تبعدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولاتنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفضْ لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً”، ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا”.
ولقد ذُكر في تفسير لا تقل لهما أفٍ، أي لاتقل لوالديك أفٍ في كبرهما عندما يحتاجان اليك حين تميط عنهما الأذى من البول والخلا ولا تقل لهما أفٍ إذا شممت منهما ريحة غابنٍ أو فم، وتذكر أنهما كانا يصنعان بك ذلك وقد كنت صغيراً ولا يتأففان منك فلاتقل ذلك لهما إذا احتاجاك وقم برعايتهما، وكن ليناً معهما، ولا ترفع صوتك امامهما، و أكثر التبسم في وجههما، واخفض لهما جناحك لكي لايترفعا عن طلب شيءٍ يرغبان به خجلاً منك، أخي المسلم، إن الوالد إذا كبر في السن وحافظ على كرامته راقبك بعينٍ بصيرة، فهو يعلم أنك تقوم برعايته براً له وأدباً منك اتجاهه فهو يرقب لكل شيء يصدر منك لتستر عنه.
طاعة الوالدين من طاعة الله
فإن أقل خطأ يصدر منك اتجاهه أو في حقه يعتبر قاسمة ظهرٍ لكبريائه، إنه يحتاج إليك ويفتقر إليك كالصبي الصغير، فقد تغيرت مزاجه ومشاعره وشرست أخلاقه فهو يحتاج إليك بكل صغيرة وكبيرة فكن راعياً له محافظاً على مشاعره، وكن به باراً واعلم أخي المسلم أن رضا الله من رضا الوالدين، ويقول أحد أئمة السلف فوالله ما من عملٍ أوجب أن يغفر الله به لك خطاياك وعظائمك بعد التوحيد من بر الوالدين، فالعبد منا إذا كان له والد ولم يبره وأعرض عنه كأنه وقف على بابٍ من أبواب الجنة وقال يارب سده علي.
وذُكر عن أمية ابن أبي الصلت عندما عقه ولده تأذى بعقوقه وأخذ يقول هذه الأبيات ليذكر ابنه ويحثه على بره فقال:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهل.
إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكواك إلا ساهراً اتململ.
فما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أملُ
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل.
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل.
فكان يقول لابنه هذا ويبكي.
بر الوالدن أحب الاعمال الى الله
أخي المسلم، إنك مهما فعلت لن تبلغ إحسان والديك إليك ولكن أدِ الذي عليك كما أمرك الله ببر والديك ولاتكن عبد السوء الذي ثقل عليه ظِل والديه وأخذ يتمنى موتهما، يُقال إن رجلاً دخل على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال له: لقد حملت أمي من بلادنا إلى الحج ولقد بلغت بها السن أن ظهري لها مطية أحملها في الحل والترحال ولا تقضي حاجتها إلا من على ظهري وأنظف منها وأصرف بصري وأوضئها وأطعمها فهل جازيت حقها؟! فقال عمر: كلا والله وذرفت عينه، قال: لم لا ألست حملتها أكثر من حملها لي وصرفت عليها مالي، قال عمر: كلا والله ما جازيت أمك بزفرةٍ واحدة من زفراتها ولقد تمنيت أني أدركت أمي فوليت منها مثل ما وليت أنت من أمك لكان أحب إلي من حمر النعم.
جزاء بر الوالدين
عباد الله، إن بر الوالدين دين عليك فكما تدين تدان، إن من ثمرات البر العاجلة أن يجد الإنسان ذلك من أبنائه، فيبره أبناؤه ويحسنوا إليه كما أحسن لوالديه وهذا الأمر مشاهد في حياتنا، أيها المسلم اعلم أن برك لوالديك وطاعتك لهما هو عنوانٌ لرجولتك ودليلاً على شهامتك ومروءتك وهي سبب سعادتك في الدارين، أخي المسلم، إن والديك هم أرحم الناس بك وهما سبب وجودك في هذه الدنيا وهما أقرب الناس إليك، شقيا من أجل أن تسعد، تعبا من أجل أن ترتاح، جاعا من أجل أن تشبع، أعطياك كل مايمتلكان من غير منٍّ ولا أذى، أخي الحبيب احذر رعاك الله من أن تقدم مصلحتك الشخصية عن رضا والديك، واحذر ممن يأمرك بعصيانهما إن كانت زوجة أو صاحب، فإياك ممن يهون عليك حقهما عليك أو ممن يجرئك على التقصير بهما، فمثل هذا لا خير فيه ولا صحبة فيه، فقد قال في ذلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “لا تصحب عاقاً لوالديه، فإنه لن يبرك وقد عق والديه”.
عقوق الوالدين يحاسب عليه الله
عباد الله، إن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب ومن أكبر الكبائر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:” الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين المغموس”. فعلى من ابتلي بعقوق والديه أن يبادر بالتوبة قبل أن يندم في وقت لاينفع فيه الندم،
أخي العزيز، هناك كثير من الناس يأتي لوالديه بخادم ليبرئ ذمته أمام الله وأمام والديه، وهذا أمر خاطئ فالبر لا يفوض ولا يُشترى، وقد يكون الإتيان بخادم لوالديه من البر، ولكن عليك أخي الحبيب أن تراعي والديك ولا تتنصل من حقوقهما فمهما بلغ الخادم لن يكون مثل الابن، فيكفي أن الوالد يأنس بمجرد قرب ابنه منه أو زيارته له فيفرح بها وينتظرها، فاتقوا الله أيها الأحباب ولا تغلقوا هذا الباب العظيم من أبواب الخير، ولا تستكثروا على والديكم الخدمة والرعاية والجلوس معهما وبرهما ولا تمنوا عليهما.
وأقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب، استغفروا الله عباد الله، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية عن بر الوالدين
الحمدلله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله قائد الغر المحجلين و إمام المتقين صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين أما بعد،
عباد الله، لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخلاه الجنة”. فكم من الرويات القديمة والحديثة التي تدعونا لنتأمل في أحوال من يطيع والديه ويبرهما وما يناله من توفيق في حياته ورزق وطاعة أولاده له، أخي الحبيب الزم بر والديك فتحت أقدامهما الجنة، أخي الحبيب ماذا يوجد في هذه الدنيا يستحق أن يشغلك عن والديك، إن أعظم وأشد وأسرع عقوبة في الدنيا عقوبة العقوق، والعاق لوالديه باغٍ وعاق، ومن أجل هذا أوصى السلف فقالوا: بروا آباءكم تبركم أبناءكم، وإن عققتم آباءكم عقكم أبناءكم، عباد الله إن من يدرك والديه أحدهما أو كلاهما يعطيه بهما الله فرصة العمر في كفارة الذنوب وستر العيوب إن من أعظم الأعمال بعد التوحيد بر الوالدين.
عباد الله، إن بر الوالدين عملٌ لاينقطع بموتهما، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، هل بقي علي من بر أبوي شيءٌ بعد موتهما أبرهما به، قال:” نعم خصالٌ أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لارحم لك إلا من قبلهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما”.
نسأل الله العلي العظيم رب العرش العظيم أن يعيننا على طاعته والبر بوالدينا، وأن يعيننا على صلة أرحامنا، اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه من خير قولٍ وخير عمل، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم من أراد بهذا الدين خيراً فوفقه لكل خير اللهم وفق ولاة أمورنا بالحكم في كتاب الله وسنة نبيه،
وأقم الصلاة.
الى هنا نأتي الى ختام مقالنا الذي تضمن الحديث عن بر الوالدين وطاعتهما في مقال بعنوان خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة.