قصيدة ابن الرومي في سليمان الاخفش، تتميز اللغة العربية بالعديد من الخصائص التي تنفرد بها وحدها، ومن هذه الخصائص امتلاكها للعديد من الفروع ومن ضمنها الادب العربي، ويتكون الادب العربي من عدد من الفروع ايضا مثل القصة والمسرحية والقصائد والتي هي اهم جزء من اجزاء الادب العربي، وقد اهتم العرب منذ القدم في كتابة القصائد واكبر دليل على ذلك هي تلك القصائد المعلقة التي كان الشعراء من زمن الجاهلية يكتبونها ويعلقونها على جدار الكعبة، وتختلف الاسباب لكتابة القصائد فمنها ما يتم كتابته لاجل الغزل ومنها من اجل الهجاء ومنها من اجل المدح، وفي مقالنا لهذا اليوم سنتناول قصيدة الهجاء التي تمت كتابتها من قبل الشاعر ابن الرومي في سليمان الاخفش .
نبذة عن ابن الرومي
اسمه الكامل هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج ،وقيل جورجيس، اشتهر بلقب ابن الرومي لأنَّه رومي الأصل، وهو شاعر من فحول الشعراء العرب، اشتهر في القرن الثالث الهجري أي زمن العباسيين، وكان من القلائل الذين صُنفوا في طبقات الشعراء الأولى، ولد ابن الرومي في منطقة اسمها العقيقة في بغداد في العراق، وكان مولده في يوم الثاني من رجب من عام 221هـ، وكان مولى لرجل اسمه الله بن عيسى، وعلى الرغم من أنَّه عاش في بلاد العرب إلَّا أنَّه لم ينكر أصله، فقد ذكره في شعره أنَّه رومي في غير موضع واحد، أمَّا أمه فهي فارسية الأصل وكانت امرأة صالحة كما ذكر في رثائها.
قصيدة ابن الرومي في هجاء سليمان الاخفش
تُعد قصيدة ابن الرومي في هجاء سليمان بن الأخفش من أشهر القصائد التي كتبها ابن الرومي في حياته، وهي قصيدة طويلة تحوي الكثير من المعاني اللاذعة في السباب والشتم والهجاء، نذكرها كاملة فيما يأتي:
ألا قُل لنحويِّكَ الأخفشِ أنِسْتَ فأقصِرْ ولم تُوحِشِ
وما كنتَ عن غيَّةٍ مُقصِراً وأشلاءُ أُمك لم تُنْبَشِ
تحدّيتَ صَلّاً وفي نفْثه نذيرٌ فأقلِع ولم تُنهش
أبا حسن إنّني سائلٌ فأعدد جواباً ولا تَدْهش
أليسَ أبوك بني آدمٍ فأنَّى طُمسْتَ ولم تُنقَش
ولمْ جئتَ أسودَ ذا حُلكةٍ ولم تأتِ كالحية الأرقش
لقد غُشّ فيك أبٌ غافلٌ فما دُهمةٌ فيك لم تُغشَشِ
أبٌّ ذو فِراشٍ ولكنه لأيِّ البرية لم يُفرَش
أما والقريض وأسواقه ونَجْشك فيه من النُّجَّش
ودعْواك عرفان نُقَّاده بفضلِ النَقيِّ على الأنمش
لئنْ جِئتَ ذا بَشرٍ حالكٍ لقد جئتَ ذا نسب أبرش
وما واحدٌ جاء من أمه بأعجب من ناقدٍ أخفش
ألا يا ابن تلك التي كارمتْ أيورَ الزناةِ ولم تَرتش
وأضحتْ تَعِيرُ مع العائِرينَ في زُمرة البَقَش الأبقش
ولمْ لا تَعيرُ ولم تضربُوا عليها حجابَ بني دَنقَشِ
ولم تحرسوا خَلَواتِ استِها برقبةِ زَخْشٍ ولا خُتَّش
فما ظَنُّكمْ بالتي لم تزممُ يا للرجال ولم تُخْشَش
أليستْ تسيرُ على وجهِها بسيرة سَيْدوكَ أو دَنْهش
وأنَّى تعفُّ وفي طيزها سعيرٌ يهرُّ على الحُشَّش
تظلُّ إذا قلَّ قثَّاؤها تَموشُ البقايا مع الموَّش
تُناك ودَيُّوثُها نائمٌ يَفُشُّ الفُسَيّا مع الفُشّش
وكم جَاهَرتْه وقالت له تَغَافل كأنَك في مَرْعش
لولا فواكهُ أَيلولٍ إذا اجتمعتْ من كل نوعٍ ورَقَّ الجوُّ والماءُ
إذاَ لَمَا حَفَلتْ نفسي متى اشتملتْ عليَّ هائلةُ الجالَيْن غبراءُ
يا حَبَّذَا ليلُ أيلولٍ إذا بردتْ فيه مَضاجِعُنا والريحُ سَجْواءُ
وجَمَّش القُرُّ فيه الجلدَ فائتلفتْ من الضَّجيعينِ أحشاءٌ وأحشاءُ
وأَسفر القمرُ الساري فصفحتُه ريَّا لها من صفاءِ الجوِّ لألاءُ
يا حبذا نفحة من ريحهِ سَحَراً تأتيك فيها من الريحان أنباءُ
قلْ فيه ما شئتَ من شهرٍ تعهَّدُهُ في كلّ يومٍ يدٌ للَّهِ بيضاءُ
متى راعيتَه من جانبيه رعاك بعينه من جانبيكا
ولم تعدم به سيفاً ودرعاً كهمّك عُدَّةً في حالتيكا
ومثلك لا يُدَل على رشادٍ كفاك بلمحةٍ من ناظريكا
أفضل قصائد ابن الرومي
يعد ابن الرومي من اكثر شعراء العرب بلاغة وفصاحة، واشتهرت القصائد التي قام بكتابتها كثيرا وتم نقلها من جيل الى اخر حتى وصلت الينا، وقد ابدع كثيرا في مجال الشعر وسنتناول الان ابرز القصائد التي كتبها والتي تعد افضلهم :
إذا ما احْتشتْ لم تَخف سُخطَهُ لأن الفتى مثلها مُحتش
وماذا ينيكُون من شيخةٍ قد استكْرشَتْ كلَّ مُستَكرَش
كسا طيزها شمطٌ لابدٌ على القمل كالصوف لم يُنْفش
إذا ذُكرتْ لم يكن ذِكرها بأيسر نتناً من المَنْبَش
عذيري من ابن التي لم تزل تُقلَّبُ كالطائر المَرْعش
لها كلَّ يوم إلى فاسقٍ حَنينُ قطامٍ إلى جَحْوَش
أُسَيْوِدُ جاءَت به قردةٌ سُوَيداءُ غاويةُ المفْرَش
أتتنا به في سَواد استها وأذناه في صفرة المشمش
عظيمَ كَشاخِنةٍ قائداً طويل السلامة لم يُخدَش
كأن سنا الشَّتم في عرضه سنا الفجر في السحَر الأغبش
تسمَّعْ أحاديثَها صاحياً فإنك من حُمقٍ مُنْتَشي
أتت بك أمك من أمةٍ فإن كنت أعمى فلا تطرش
أتأكُلُ مني ولمّا تَجُعْ وتشربُ مني ولم تَعْطش
ولؤْمُكَ لؤمٌ له فضلُهُ رَوَيناهُ قِدماً على الأعْمش
تَبَيّنَ والشمس معدومةٌ وأظلمَ والليلُ لم يَغْطَش
أقولُ وقد جاءني أنه ينوشُ هِجائي مع النوَّش
إذا عكس الدهرُ أحكامَهُ سطا أضعفُ القوم بالأبطش
أما ومُحلِّيك بالأسوَدَين لون الدُجى والعمى الأغطش
رويداً تَزُرك على رِسلها وتَجري كعهدِك لم تُنكش
قواف إذا أنت أُسمِعتها ضحكت إليها ولم تَبْشش
كما ضحِكَ البغلُ لوَّى الزيارُ جحْفَلةً منْه لم تهشش
تروحُ بها سيداً نابهاً وإن كُنتَ في الوَبَش الأوبش
ولهفي ربِحتَ وأخسرْتني نَبلْتَ وطشتُ مع الطيَّش
وقد كان في الحلم لي فُسحةٌ ولكن عثرتَ ولم تُنعش
وإنّي لمِبْرىً لمن كادني وما شِئتَ من صَنعٍ مِريَش
أحينَ غدا مِقْولي مبرَداً حجشت شباه ألا فاجْحَش
أُخيَّك لا تستطِش حِلمَهُ فما سَهمُهُ عنك بالأطيش
عرضْتَ لشوك قتاداته وما شَوْكُهُنّ بمستنقش
غدا الحارِشُون معاً للضَباب لا للمُقرَّنة النُهَّش
وأغداك حَيْنُك من بينهِم لحرش الأفاعي مع الحُرَّش
وأنت قليب لها مَستقىً ولكنَّ جالك لم يُعرش
ظريفٌ وفي الظُرف مستأنسٌ وفي الجهل موضعُ مستوحش
ونُبِّئتُ أنك في مَلطمٍ لحرِّ هجائي وفي مَخمَش
وأنت المعوَّد أمثالها فأنى نَفَشْتَ مع النُّفَّش
غُررت ببارقةٍ أنْذَرَتْ بصاعقةٍ من لَظى مُحْمَش
أراك توهَّمتَها بُغشَةً صُعِقتَ لعمري ولم تُبغش
وما كل من أفحشَتْ أُمُّهُ تعرَّض للقذَع الأفحشِقصيدة لولا فواكه أيلول
رعايةُ حقِّنا حقٌ عليْكا لما نعتدُّ من مَيْلٍ إليكا
ونَصْرُك باسِطُ النُّعمى علينا نهايةُ ما نُؤَمِّلُهُ لديكا
فدُونَك من مَوَدَّتِهِ نصيباً رِغيباً قد ملأتَ به يديكا
أبا العباسِ لا تُغْلَبْ عليه فقد أضْحَى ولم يُغْلَبْ عليكا
متى راعيتَه من جانبيه رعاك بعينه من جانبيكا
ولم تعدم به سيفاً ودرعاً كهمّك عُدَّةً في حالتيكا
ومثلك لا يُدَل على رشادٍ كفاك بلمحةٍ من ناظريكا
أبا العباس قد أسديت فعلاً وصلتَ به إخاء مُؤاخِيَيْكا
وفيه فرصةٌ لك فانتهزْها فإن اللَّه يكبتُ حاسديكا
هذه هي كامل كلمات قصيدة ابن الرومي في سليمان الاخفش كاملة التي تعتبر من القصائد المميزة والأجمل على الإطلاق، وقد أصبحت من أكثر القصائد التي عليها بحث في الأونة الأخيرة .