تفسير ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

تفسير ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، هذه الآية الثلاثون من سورة الأنفال، وهي سورة مدنية عدد آياتها خمسة وسبعون آية، وهي في الجزء العاشر من كتاب القرآن الكريم، نزلت سورة الأنفال بعد غزوة بدر، وسُميت سورة الأنفال بهذا الاسم لأنها تتحدث عن حكم الأنفال، والأنفال هي الغنائم، وأيضاً تتحدث السورة عن أحكام الأسرى، وعن الغزوات والجهاد في سبيل الله، ويمكننا أن نرى فضل سورة الانفال في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة، أنّه برئ من النفاق، واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيام حياته في الدنيا”، وفي مقالنا هذا سوف نقوم بالتحدث عن تفسير ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

سبب نزول ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

سبب نزول ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
سبب نزول ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

قال تعالى: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، نزلت هذه الآية من سورة الأنفال في قوم قريش، كتصريح واضح من الله لهم أنه عالم بكل شئ، وعالم بمكرهم وبالشر الذي يدبرونه للمسلمين، وقد ذكر علماء التفسير أن سبب نزول آية ” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، أن قوم قريش اجتمعوا في دار الندوة وهي في بيت قصي بن كلاب، يتآمرون على قتل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال أبوا البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه، وقال أبوجهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فيرضى بنو هاشم حينئذ بالديّة، وقد حضر إبليس في صورة رجل من نجد وأيدهم في مؤامرتهم، وأعدّو الرجال والسلاح، وأخبر جبريل -عليه السلام- الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بمؤامرة قوم قريش، فخرج إلى غار ثور وأمر علي بن أبي طالب أن ينام في فِراشه، فلما جاء قوم قريش في الصباح وجدوا علي في فراش الرسول، وقد ردّ الله مكرهم فقالوا: أين محمّد؟ فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لا أدري، فاقتصّوا أثر الرسول وأرسلوا في طلبه، فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار رأوا على بابه نسجَ العنكبوت، فقالوا: لو كان هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثة أيام مع أبي بكر الصديق ثمّ ذهب إلى المدينة المنورة.

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين تفسير ابن كثير

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين تفسير ابن كثير
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين تفسير ابن كثير

أن جماعة من أشراف قوم قريش، اجتمعوا في دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟، قال: شيخ من نجد، سمعت أنكم اجتمعتم فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي، قالوا : أجل، ادخل فدخل معهم فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره، قال : فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، قال: فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال: والله ما هذا لكم برأي، والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم، فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم، قال : فانظروا في غير هذا، قال: فقال قائل منهم: أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم، وكان أمره في غيركم، فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله وطلاوة لسانه، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم، ثم استعرض العرب، ليجتمعن عليكم ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم، قالوا : صدق والله، فانظروا بابا غير هذا، فقال أبو جهل لعنه الله: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم تصرمونه بعد، ما أرى غيره، قالوا: وما هو ؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلاماً شاباً وسيطاً نهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه، أتى جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر قوم قريش فلم يبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيته تلك الليلة، وخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على القوم وهم على بابه، وخرج معه بحفنة من تراب، فجعل يذرها على رؤوسهم، وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – فلم يروه أو يشعرو به وهو خارج، وكان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقرأ “يس والقرآن الحكيم” إلى قوله تعالى: “فأغشيناهم فهم لا يبصرون”، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة “الأنفال” يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده “وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم.

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين معناها

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين معناها
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين معناها

المقصود بالآية ” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” أن الجزاء من جنس العمل، وأن هؤلاء مهما بلغوا في مكرهم وكيدهم فهو لا يساوي شيئًا أمام عظمة الله وقدرته وقهره وانتقامه وتدبيره في هلاكهم، وقمع شرهم وباطلهم، فالله سبحانه وتعالى رد كيد قوم قريش وأفشل مؤامرتهم لقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله سبحانه وتعالى لا يوصف نفسه بالمكر، فالمكر من الصفات والأفعال البشرية التي يتنزه عنها الله عز وجل، ونستفيد من الآية الكريمة العبر التالية:

  • أن الشدائد مفتاح الفرج، وإن مع العسر يسراً، فبعد مؤامرة قريش لقتل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهجرته إلى المدينة المنورة، انتشر الإسلام في المدينة وعلت راية الإسلام.
  • الأخذ بالأسباب من الأمور المهمة جداً، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أثناء هجرته أخذ بجميع الأسباب، فلم يبيت في فراشه، ولم يذهب إلى المدينة فوراً وذهب إلى غار ثور ليستطيع الاستطلاع عن أخبار قوم قريش.
  • أن الله سبحانه وتعالى يتولى بحماية الصالحين ودفع الضرر عنهم، فالله تعالى أبطل مؤامرة قوم قريش ورد كيدهم في نحورهم، فبالرغم من أنهم كانوا مجتمعون على باب الرسول لم يستطيعوا الشعور به عند خروجه، وبالرغم من أنهم مروا بالقرب من غار ثور لم يروا رسول الله وصاحبه الصديق.

تحدثت الآية “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، عن تدبير المشركين من قوم قريش لقتل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله سبحانه وتعالى دفع كيدهم عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأحبط مؤامرتهم، وفي ذلك بيان لنعمة الله تعالى على رسوله الكريم، كما وضحنا في مقالنا هذا عن تفسير ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

Scroll to Top