الفرق بين الرحمن والرحيم، يتصف الله سبحانه وتعالى بعدة صفات وأسماء متعددة، ينبغي على المسلم الغيور على دينه، الحريص على نيل الأجر في الدينا، وأعلى الدرجات في الآخرة أن يتعلم العلم الصحيح عن أمور دينه، ومن أهم ما ينبغي تعلمه هو العلم بأسماء وصفات الله سبحانه وتعالى، فالعلم بها من أرقى وأجل العلوم وأشرفها، كما تمنح العبد إيماناً راسخاً، ومعرفة بخالقه المتضرع له بالدعاء، وإنما بعث الأنبياء والرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله وتوحيده سبحانه وتعالى، وأهم أساس تقوم عليه دعوة الأنبياء والرسل هو تعريف الناس بصفات الله وأسمائه، وقد اختلف العلماء حول عدد أسماء الله تعالى، ولكن الراجح بأنها تسع وتسعون اسما تدل على عظمة وكمال ورحمة الله سبحانه وتعالى التي يتعلق بها أمل العبد ورجاؤه، لكن ما هو الفرق بين الرحمن والرحيم إذ أن كلاهما يدلان على رحمة الخالق جل في علاه.
الفرق بين الرحمن والرحيم للشعراوي
يقول الله سبحانه وتعالى في حديثٍ قدسيٍ : ” أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ”
فالرحمن والرحيم والرحمة كلها ألفاظ مشتقة من الرَحم، الرَحم هو ذلك المكان الصغير في حجمه، العظيم في معانيه وسعته، وتجلّي رحمة الله تبارك وتعالى فيه، هو منشأ الإنسان من نطفةٍ ثم علقةٍ ثم مضغةٍ ثم جنيناً متكاملَ الأعضاء، مهيئ للخروج إلى الحياة والعيش فيها، هو أول صلة بين الإنسان وأمه، وأقوى رابط بينهما، وأوثق العرى بين الجنين وأمه، تكابد الأم ما تكابده في تلك المرحلة من حمل جنينها في رحمها وبالرغم من كل ما تكابده من آلام ومشاق، لكن تظل الأم من أعظم نعم الله على الإنسان، وأعظم رحمات الله التي تتجلى في الأرض لعباده، ألا ترى بأن الأم بالرغم من كل ما تلاقيه من ابنه، من مشقة وألم وعناء في تربيته تجدها دائمة الحنو عليه، دائمة المغفرة له دون أن يستغفر، ويضرب الله لنا الأمثال في كل موقع من حديثه، فأراد بهذا المثل العظيم، أن يذكرنا بأن أبواب التوبة مفتوحة ومشرعة دائما لمن من عباده التوبة والإنابة إلى الله، وصفات الرحمن والرحيم للخالق ليست صفات عادية، بل هي من صفات المبالغة، ومن صيغ البالغة، وكأن الله أراد بهذا التأكيدَ على رحمته، وترغيب عباده بالإنابة والرجوع والتوبة إليه، يقول الحق تبارك وتعالى في منزل التحكيم : {ورحمتي وسعت كل شيء }.
فالرحمن والرحيم من صفات الله تبارك وتعالى، فرحمته جل في علاه تشمل كل مخلوقات الأرض في الدنيا، وهي تشمل الحيوانات والطيور والنباتات، وتشمل بني البشر، فتشمل منهم المؤمن التقي الصالح، وتشمل العصاة من عباده، وحتى الذين كفروا منهم وألحدوا به، وهؤلاء لا يعاملهم الله بذنوبهم ولا بإلحادهم ولا بكفرهم به تبارك وتعالى، كان هذا الجانب فيما يتعلق بالدنيا، أما الآخرة فهي دار الجزاء والحساب والثواب على ما اقترفه بني البشر في دنياهم، فرحمة الله في الآخرة لا تشمل إلا عباده الصالحين المؤمنين فقط، أما الكافرون فهي لا تشملهم بعكس الدنيا، بسم الله الرحمن الرحيم تترد على أفواه المصلين في كل صلاة بأكثر من مرة، وكذلك عندما يهم المسلم بأي فعل أو عمل، فإنه يبدأ بقول بسم الله الرحمن الرحيم ، استعانة بالله على ما ينوي القيام به من فعل أو عمل أو قول، لأن لا قوة ولا مدد ولا عون للبشر إلا بالله سبحانه وتعالى، وأما ما اختص به لفظ الجلالة الله في بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك لأنه الاسم الشامل الجامع لكل صفات الله تبارك وتعالى، وذلك من تجلي رحمة الله على عباده بأنه دائم التذكير لعباده بأن رحمته موجودة حاضرة في كل ال وتبدأ فاتحة القرآن الكريم بالرحمن، وهي دعوة مفتوحة منه سبحانه وتعالى لمن أذنب وعصى من عباده، بأن باب التوبة مفتوح وبأن رحمته الله موجودة، حاضرة في كل الأوقات والأزمان، وبرغم كل الذنوب والآثام، فما عليك أيها العبد العاصي المقترف للذنوب والآثام، سوى الإقبال عليه سبحانه وتعالى والإنابة إليه بقلب منيب تائب، وبصدق حقيقي نابع من القلب والوجدان، فنستعيذ برحمة الله من ذنوبنا وآثامنا.
معنى الرحمن والرحيم في سورة الفاتحة
وتبدأ فاتحة القرآن الكريم بالرحمن الرحيم فهي مقرونة برب العالمين بعدها مباشرة، وذلك تذكيرا لله سبحانه وتعالى بنعمه علينا وأنه سبب وجودنا في هذه الحياة فهو أوجدنا من عدم، فنحمده على كل نعمه علينا التي لا تعد ولا تحصى، نحمده تعالى على رحمته المتجلية في ربوبيته، والربوبية فيها من الرحمة الكثير الكثير، وليس فيها من القسوة بقدر ما تحمله من رحمة الله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى هو رب الكون يجود بالنعم على كل عباده فيطعم ويرزق ويكسي ويستر ويشفي المؤمن والكافر، ويتيح كل مسخرات الكون لكل العباد والبشر على الأرض دون تفرقة بينهما، فالشمس تكسي الأرض بنورها ودفئها للمؤمن والكافر، والماء يشربه المؤمن والكافر، والثمار والشجار يستظل بظلها ويأكل ثمارها المؤمن والكافر دون تفرقة بينهما.
فلا يخص الله بهذه النعم عباده المؤمنين الأتقياء الصالحين دون الكفرة العُصاة، وهذه النعم جميعا من ربوبية الله ومن عطاء الله في ربوبيته، الحمد لله رب العالمين فالله هو المُختص بالحمد وحده على كل هذه النعم، هو مخصوص بالحمد في صفاته، مخصوص بالحمد في أسمائه، ولا يكون العبد في حاجة لشكر الله سبحانه وتعالى إلى بلاغة وفصاحة وبيان، وهو ليس بحاجة أيضا إلى تفنن في الحديث، وتزويق الكلام والحديث وتنميقه، وليس بحاجة إلى نظم الشعر، كلمتان خفيفتان سهلتان على اللسان الحمد لله، هما فقط كلمتا شكر العبد لله تبارك وتعالى على نعمه الله التي لا تعد ولا تحصى، وهنا أيضا تتجلى رحمة الله العظيم بأنه علم الإنسان ما يعلم كيفية شكره وحمده، بدون تكلف ومبالغة، ومهما تزعم الإنسان ملكة اللغة، وتفرد بجمال النظم والحديث، ومهما أوتي من بلاغة وفصاحة وبيان، فإنه لا يستطيع شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى بدون تعليم الله له، ففي هذا أيضا رحمة عظيمة لبني البشر من الله سبحانه وتعالى.
ما الفرق بين الرحمن والرحيم
الرحمن والرحيم، اسمان من تسع وتسعين اسما لله تبارك وتعالى، متلازمان في لفظيهما وفي معانيهما أيضا، فالرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة المعنى الأسمى لله سبحانه وتعالى، فاسم الله الرحمن والرحيم، هما اسمان يبعثان في النفس البشرية السكينة والطمأنينة، فالرحمن والرحيم وهما اسمان من صيغ المبالغة، فالرحمن والرحيم يدلان على سعة وشمول ورحمة الله لكل عباد الأرض، فما هو الفرق بين اسمي الله الرحمن والرحيم :
- الرحمن، هو اسم لله تبارك وتعالى، فالرحمن يعني أنه صاحب الرحمة الشاملة الواسعة والممتلئة لكافة مخلوقات الله من عباده المؤمنين والصالحين والقانتين، وكذلك من عباده الكفرة العصاة الملحدين يقول تبارك وتعالى في منزل التحكيم عن ورود اسم الله الرحمن : { ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبغوا من فضله إنه كان بكم رحيما }، وهذا فيما يخص الجانب الدنيوي من كسوتهم وإطعامهم، وتسخير الكون لهم ولمصالحهم وتمتعهم به، وبرغم أن رحمة الله شملت الجميع في الدنيا من العصاة والكفرة والمؤمنين الصالحين، فمن عدل الله الرحمن الرحيم، بأنه وهب عباده المخلصين الصالحين رحمةً خاصةً لهم في الدنيا تتمثل في توفيقهم وهدايتهم إلى طريق الدين القويم، وصراطه المستقيم، وبأن ينزل على قلوبهم الصبر والسلوان، التي تعزي قلوبهم عند نزول المصائب، وعند حلول البلاء، وبأن يبارك لهم في رزقهم وأوقاتهم، ويكفر بالابتلاءات ذنوبهم.
- أما فيما يتعلق في الجانب الآخروي فإن رحمة الله الرحمن الرحيم، خاصة ومقتصرة على عباده المؤمنين الصالحين، لقوله تعالى { وكان بالمؤمنين رحيما }، فلا تشمل رحمته التي وسعت كل شيء في الدنيا الكفرة والعصاة والملحدين في الآخرة كما شملتهم في الدنيا، أما اسم الرحمن فهو يعود على رحمة الله تبارك وتعالى الذاتية هذا فيما يخص اسم الله الرحمن.
- الله جل في علاه هو الرحمن الرحيم، فأما فيما يخص اسمه الرحيم فيعود على رحمة الله الفعلية، وهي صفة خاصة بالله سبحانه وتعالى، بينما الرحيم، فهي متعلقة وخاصة بالمرحوم وهم عباد الله الذين شملتهم رحمته تبارك وتعالى من الصالحين المؤمنين ومن العصاة والكفرة سواء في الدنيا والخاصة بالمؤمنين في الآخرة.
- وقد كثر ذكر صفة استواء الله الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى على العرش في أكثر من موضع في القرآن الكريم ومن ذلك قوله : { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل من كان به خبيرا }، وفي موضع آخر ذكر الله الرحمن الرحيم صفة الاستواء على العرش باسمه الرحمن : { الرحمن على العرش استوى } ، ونجد أن اقتران صفة استواء الله الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى على العرش بصفة الرحمن، وذلك لأن عرش الله الرحمن الرحيم، يشمل ويحيط بجميع مخلوقات الله الرحمن الرحيم، وكذلك رحمة الله الرحمن الرحيم، فهي شاملة عامة لكل مخلوقات الله.
- واسم الله الرحمن هو اسم خاص فقط بالله سبحانه وتعالى فلا يجوز مطلقاً لعباد الله إطلاق اسم الرحمن على أنفسهم، أو تسمية أبنائهم باسم الرحمن، فهو كلفظ الجلالة الله الذي لا يجوز لأحد من عباد الله عز وجل أن يطلقه على نفسه، أو يسمي به أحد أبنائه، وكذلك من الأسماء الخالق الرازق فهي تشبه اسم الله الرحمن الرحيم، لا يجوز تسمية البشر بها أنفسهم.
تتنزل رحمات الله الرحمن الرحيم الكثيرة على عباده في الدنيا، وتظل الجميع بظلال رحمة الله الرحمن الرحيم الشاملة الكاملة الوافرة، والتي تتسع للجميع دون تفرقة بين العصاة والكافرين وبين المؤمنين الصالحين، فرحمة الله الرحمن الرحيم، لها أبلغ الأثر العظيم في قلوب العباد، فهي الدافع القوي لسلوك العباد طرق التوبة ودروب الإنابة إلى الله الرحمن الرحيم، بقلب ممتلئ بالصدق والإخلاص، وهنا استفضنا في الحديث عن رحمات الله وتجلياتها على عباده من خلال صفة الرحمة لله الرحمن الرحيم، كما وتعرفنا على الفرق بين الرحمن والرحيم.