الفرق بين الحب والاعجاب، خلق الله الإنسان وأودع فيه نوازع مادية ونوازع معنوية، بحيث يكون هناك توازن بين الجانبين، فلا يطغى جانب على آخر وبطبيعة الحال، كون الإنسان إنساناً متميزاً عن سائر المخلوقات، فإنه يتمتع بكثير من المزايا التي حباها الله له، ومن تلك المزايا التي تعتبر علامة فارقة بين الإنسان وغيره من المخلوقات أن الله منحه من الصفات المعنوية التي تعطيه كثيراً من الراحة والطمأنينة والسكينة والهدوء والفرح والسرور وما يقابلها من صفات أخرى؛ لذلك جعل الله للإنسان نفساً تعتل كما تعتّل سائر أعضاء البدن وينتابها حالات شعورية مختلفة نابعة مما تشتمل عليه نفسيته من العواطف والأحاسيس والمشاعر والوجدان، ومن تلك المشاعر الحب والإعجاب، فما الفرق بين الحب والاعجاب.
ما هو الحب
عاطفة الحب عاطفة إنسانية، يتمتع بها كل إنسان، وإنَّ كانت تختلف من شخص إلى آخر في درجة قوتها، وبطبيعة الحال، فإن ذلك يقودنا إلى أنَّ علاقة الحب التي تنشأ بين الإنسان وغيره، فهل هي من أول نظرة أم يجب أن تَتبع النظرة الأولى نظرات ونظرات كي تترسخ عاطفة الحب وتثبت في النفس، فحقيقة الأمر، أنَّ النظرة الأولى لها أهمية خاصة، فإما تقود إلى توطيد العلاقات بين الأشخاص بحيث تنمو هذه العلاقة، وتتوطد أركانها وتتطور إلى أن تصبح عشقاً وولهاً وتعلقاً بل جنوناً، وذلك عبر المزيد من النظرات التي تحمل رسائل كثيرة تعمق العلاقة، وتقودها إلى أبعد مدى، وإما أن تؤدي النظرة الأولى إللى التنافر والتباعد وعدم الانسجام ووأد أي مشاعر في مهمدها قبل أن تترعرع وتصبح شجرة وارفة الظلال، يستظل بظلها المحبون وصدق أمير الشعراء احمد شوقي حين وصف تطور علاقة الحب بين المحبين فقال نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعدٌ فلقاء، فهذه هي طبيعة عاطفة الحب، وهذا هو الحب الإنساني الذي ينشأ بين الإنسان وغيره من بني جنسه، ولكن الحب يتنوع بتنوع المعشوق فقد يكون المعشوق شخصاً أو وطنا أو مالا أو شيئا من الأشياء وبذلك يتحدد سمو الحب ونبل المحب بطبيعة الشيء الذي يحبه، وتتلخص عاطفة الحب في كونها مشاعر وعواطف وأحاسيس متأججة تجتاح النفس الإنسانية، وتأخذ بتلابيب المحبين إلى حيث تشاء، ومن أمارات الحب :
- الاستمرارية والدوام : الإنسان اجتماعي بطبعه ويميل إلى نسج علاقة مع الآخرين ويصبو إلى أن تبقى وتستمر، وعلاقة الحب تنشأ بين طرفين ولكي تدوم هذه العلاقة فلابد من حرص كلا الطرفين على بقائها ودوامها من خلال تنمية المشاعر ولا يحدث ذلك إلا من خلال تبادل المشاعر الإيجابية والحرص على نبذ كل ما يعكر صفو هذه العلاقة وهذا يعتبر دليلاً إيجابياً على تثبيت أركان علاقة الحب.
- مشاعر الحب لابدّ أن تكون صادقةً مخلصةً نابعةً من سويداء القلب، ومعبرة عن عاطفةٍ حقيقيةٍ، وأن تتطابق الأفعال مع الأقوال، ويجب أن تبتعد عن كل زيفٍ ورياءٍ وتملق.
- قيمةٌ إنسانيةٌ سامية تدل على مصداقية علاقة الحب، ودليلٌ على صحته، وعلامة على صدق المشاعر ونبلها، وعلى الإخلاص، وعلى التجرد من كل هوى أو محصلة شخصية أو هدف.
- الاهتمام الزائد والواضح تجاه المحبوب سؤال بالحديث معه أو الاستماع والانصات له أو بالتقرب منه أو من أصدقائه والمقربين منه.
- لابدّ لعاطفة الحب أن تدفع أصحابها إلى أن ينتمي كل شخص إلى الآخر، وذلك من خلال الحرص على المشاركة في كل المناسبات المختلفة، والوقوف مع بعضهم البعض في كل طارئ.
ما هو الإعجاب
قد تختلط المشاعر على الإنسان ولا يستطيع لها تفسيراً ما بين مشاعر قوية عميقة أو ما بين شعور عابر لطيف مبهج يمر على القلب كنسمات الليل الباردة في أوقات الحر الاذع، لكن الإعجاب قد يتملك الشخص لصفة أو مظهر أو مكانة مرموقة للطرف الآخر، وقد لا يدوم طويلا فبمجرد الاقتراب من الطرف الآخر إذا كان الإعجاب من بعيد فيزول هذا الشعور كزوال الضباب بعد شروق الشمس، وقد يتعلق بأمر نفسي بحتٍ لدى بعض الأشخاص، والنفس البشرية تسعى لتعويض النقص الذاتي في شخصياتها من خلال البحث عن الكمال، والإحساس المعنوي لقيمتها، فتفيض مشاعره الجياشة اتجاه شخص معين أو إعجابه به، ويمنحه اهتمام ورعاية ومحبة، وما هذا إلا تعويض لسمةٍ أو ميزةٍ جميلةٍ يفتقدها هذا الشخص في ذاته، وهذا الشعور أو الإعجاب يشعره بالسعادة والرضا والفرح، ولا عيب في ذلك لأنه يخلق من هذا الإحساس أو هذا الإعجاب شعوراً إيجابياً جميلاً، وسعياً حثيثًا للوصول للأفضل والأجمل والأعظم لنفسه ولحياته ومجتمعه، وهذا مبرر نفسي بحت لنظريات التعلق، وقد يدفع بالمرء الإعجاب بالمرء إلى نتائج إيجابية إذا تم توجيهها بطرق قويمة ومسارات صحيحة من خلال :
- المحاكاة البناءة لإيجابيات الطرف الآخر دون التقليد الأعمى الذي لا يقود إلى أي نتائج إيجابية، بل على العكس حيث يعمل هذا التقليد على طمس الهُوية الشخصية.
- ويكون الإعجاب بحد ذاته محفزاً، وعاملاً قوياً للاجتهاد والتقدم والتفوق والإبداع والاستفادة من المهارات الشخصية المختلفة.
- ويعمل الإعجاب على تحويل طاقة الحسد السلبية إلى طاقة إيجابية للعمل، والإنتاج إظهار المواهب، والقدرات الكامنة في ذات الشخص.
أمارات الإعجاب
وتكمننا هذه العلامات من معرفة الحالة الشعورية اتجاه الأشخاص، وتعطينا القدرة على تمييزها :
- قيل إنَّ العين مغرفة القلوب، ومرآة القلوب التي لا تكذب وتخبرنا بكل صدق عما يجوب القلوب من مشاعر وأحاسيس مختلفة، تجد الشخص المعجب لا إراديا يجوب النظر، ويتفرس في ملامح الطرف الآخر بكل دقة، وتراه ينظر إلى كل ما تنظر عيون الطرف الآخر إليه.
- يفرج المعجب عن ابتسامة عميقة تملؤ وجهه بمجرد رؤية الطرف الآخر، وتراه يضحك على جميع النكات، و كل الفكاهات التي يطلقها الآخر.
- محاولة التأنق، وتجميل وتهذيب الهندام والملابس، والخروج بأبهى مظهر ،وأجمل حُلّة.
- تقارب المسافة بين المعجب وبين الطرف الآخر ،وإمالة الرأس نحو الطرف الآخر.
- يقوم المعجب برفع حاجبيه عند رؤية الطرف الآخر بحركة لا إرادية ودون تعمد منه.
- يكثر المُعجب من مديح الطرف الآخر، والإشادة به وبصفاته، والإطراء عليه بشكل ملحوظ.
الفرق بين الحب والتعود
تدُلنا بعض العلامات والأمارات على التفرقة بين الحب والتعود، ويستطيع من خلالها المرء على تحليل شعوره وشعور الآخرين نحوه بدقة ووضوح.
- الحب يمنح الإنسان الحرية بدون شروط وقيود كطائر يحلق في رحاب الفضاء، والطلاقة وتطهير النفس، وقوة على مواجهة تحدياتِ الحياة، بينما التعود يعطيك شعور بالقيد والأسر وسطوة منفرة، وكبت فهو يخلق في النفس شعورا بالضيق والضجر والشعور بالاختناق.
- الحب يعمل على ترميم النفس ويجعل الإنسان يغوص في أعماق ذاته مستكشفاً إياها بكل تقبل لعيوبها، وفيه يظهر الشخص نفسه دون تكلف أو رتوش أو تلميع لنفسه، بينما التعود يجعل المرء غير متقبل لذاته، ويبذل جهداً مضنياً في تلميع نفسه ،ويؤدي الأمور بشكل آلي خالٍ من الأحاسيس الحقيقة.
- الحب الحقيقي يجعل الإنسان يجود بما لديه طواعيةً وعن طيب خاطر، ويقبل على ذلك بكل جوارحه، ومضحياً في سبيل تحقيق علاقة عاطفية لا تشوبها شائبة، ولا يعكر صفوها معكر، بينما التعود يخلو من كل إحساسٍ عميقٍ ومشاعر جياشة، وتكون العلاقة في ظله يشوبها البرود والجمود وكأن الإنسان في ظل التعود يؤدي واجباً وهو مرغم دون أن يشعر بنشوةٍ أو إحساسٍ بطعم العطاء.
- الحب يمنح العلاقة العاطفية طاقةً للاستمرار والدوام والبقاء بفضل ما يتمتع به من صدقٍ حقيقي يجعل شجرة الحب تترعرعُ وتزهرُ وتثمرُ على الدوام، بينما التعود الذي يفتقد إلى كل إحساسٍ عميق وصدق حقيقي يجعل العلاقة تتذبذب وتهتز لأبسط الأسباب لأن العلاقة مفرغة من حرارة الحب الحقيقية.
- ليس من السهولة بمكان تحقيق الحب المبني على المصداقية والإخلاص والوفاء لأنه يحتاج إلى جهود غير عادية كي يصل إلى مرحلة الاستمرار والثبات والصمود أمام كل الاهتزازات، كما يحتاج إلى تضحياتٍ جسيمةٍ من كل الأطراف فإذا تحققت كل هذه الأمور فلا خشية على الحب من أي طارئ ومن أي أمر مهما كانت قوته، التعود بصفته أداء آلي غير مشحون بأي نوع من أنواع العواطف فهو لا يتسم بأي صعوبة ويمكن تحقيقه بمداومة الإدمان عليه دون بذل جهود مضنية لتحقيقه.
ما الفرق بين الحب والاعجاب
تنعكس آثار كل من الحب والإعجاب على صفحة النفس على شكلِ شعورٍ جميلٍ بالارتياح، مما يجعل المرء يميل إلى كل من الحب والإعجاب لأنهما ينقلانه من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى يسيطر عليها نوعٌ من الفرح والسرور فما الفرق بين الحب والاعجاب :
- الحب شعور وإحساس متدفق بلا توقف لا ينضب، بينما الإعجاب شعور عابر وطيف لطيف يمر دون ترك آثار طويلة الأمد.
- الحب مشاعر وعواطف وأحاسيس تغور في سبر النفس الإنسانية وتتعمق في وجدان الإنسان بقوة، بينما الإعجاب إحساس لطيف خفيف عابر بالميل إلى الطرف الآخر ومؤقت ومدة دوامه واستمراره قصيرة، بينما الحب يدوم ويدوم.
- الحب تلاحم وذوبان النفس في الآخر ويصبحان كأنهما قلبا وعقلا وجسدا واحدا، بينما في الإعجاب يبقى الشخصان منفصلان عقلا وجسدا ووجدانيا ما عدا ذلك الشعور الطارئ على النفس والوجدان بالإعجاب.
- في الحب ترتبط سعادة المحب بسعادة الطرف الآخر، وراحته مستمدة من راحة الطرف الآخر، فهو مرآة الشعور التي تعكس المشاعر والأحاسيس بصدق على النفس، بينما في الإعجاب فلا تجتاح نفس المرء لأي من تلك المشاعر، فهي حالة شعورية طارئة على النفس لا تغوص في أعماق النفس.
- يشعر المرء في الحب إلى الحاجة الملحة والشديدة بالارتباط بالشخص الآخر وعدم فقدانه، بينما الإعجاب فهو يمثل وميضاً من الضوء لامعاً زائلاً خافتا بمجرد غياب الطرف الآخر.
يعتبر كل من الحب والإعجاب من الطبائع التي تخص الإنسان، ويمنحانه الارتياح الداخلي، وينميان عنده القدرة على تذوق الأمور والتمييز بها، والإحساس بالجمال وقد تعرضنا بشكل مفصل للحديث عن الفرق بين الحب والاعجاب.